قيادة جديدة لمشروع جديد

فؤاد أبو حجلة

حتى لو لم تعلن سلطة رام الله وحكومة تل أبيب إلغاءه أو الانسحاب منه، فقد مات اتفاق أوسلو المشؤوم.. جاءته طعنات الرحمة من الشباب الفلسطيني الذي ينتشر الآن عند الحواجز العسكرية ومحطات نقل قوات الاحتلال وأزقة القدس القديمة وطرق المستوطنات اليهودية.

سلطة رام الله لا تزال تكابر وتلجأ إلى خطابها الممجوج الممل في تأكيد رغبتها في السلام مع الاحتلال، لكنها لا تجد من يحترم هذا الخطاب وهذه الرغبة في شارع فلسطيني يغلي بالغضب ضد الاحتلال وضد التنسيق الأمني مع العدو.

وحكومة تل أبيب لا تزال تكذب وتلجأ إلى خطابها المقزز عن رغبة إسرائيل في السلام الذي يبدأ بالاعتراف الفلسطيني والعربي والعالمي بيهودية دولة الاحتلال، وهو شرط مثير للضحك؛ لأن من يحتل فلسطين ليس مجموعة من البوذيين أو عبدة الشمس، بل جماعات يهودية عنصرية تتجه إلى التطرف اليميني يوما بعد آخر، ولم تعد تقبل حتى بالحديث عن الشراكة في الأرض، ولم تعد قادرة على رؤية الفلسطينيين في المدن المحتلة.

مات أوسلو المشؤوم بلا جنازة سياسية، وينبغي أن تغيب رموزه عن المشهد بعد عشرين سنة من الفشل الذريع.

ينبغي أيضا أن تعلن الفصائل المتناحرة على الإدارة المدنية في الضفة وغزة والفصائل المصطفة مع هذا أو مع ذاك، والمنظرون الفلسطينيون للمشروع القومي أو المشروع الاسلامي.. ينبغي أن يعلن هؤلاء جميعا فشلهم وأن يعترفوا بأنهم كانوا عبئا ثقيلا على حركة النضال الوطني الفلسطيني، وأنهم قادوا الفلسطينيين إلى كوارث متعاقبة لم يعرفها شعب آخر في العالم.

الانتفاضة الثالثة دشنت مرحلة جديدة تحتاج إلى مشروع جديد تقوده قوى جديدة وشبابية لم تتلوث ضمائرها بالمصالح الخاصة أو الفئوية أو المكاسب التنظيمية. ويبدو أن هذا المشروع بدأ بالتبلور في هذه الأيام المباركة التي تشتعل فيها الضفة وغزة والداخل الفلسطيني بالغضب الذي يلمع على رؤوس السكاكين.

ويبدو أن قيادة هذا المشروع بدأت بالتشكل في أطر لجان شعبية بلدية تتولي حماية مناطقها من اجتياحات عسكر إسرائيل وبلطجيتها ذوي القلنسوات الاستيطانية المعروفة.

ستتضح الصورة عما قريب، وستعلن هذه اللجان عن توليها قيادة المشروع الوطني بدلا من العابثين بهذا المشروع في سلطتي رام الله وغزة وبدلا من أصنام الفصائل ومن تماثيل الشمع في منظمة التحرير.. وستكون مرحلة للمقاومة وللتحدي لا تقبل اللغة المائعة ولا البيانات السلطوية التي يمكن أن تكون مقبولة لو صدرت عن حكومة كولومبيا أو حكومة ساحل العاج.

وسيعود المشهد الفلسطيني إلى صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي سياسيا وإعلاميا بعد أن تراجع ردحا طويلا من زمن الخراب والحروب الغبية المشتعلة في المنطقة بين نظم رجعية ومعارضات ظلامية متخلفة وارهابية.

هل يبدو التوقع مبالغا في التفاؤل؟.. ربما، لكن الانفجار الشعبي غير المسبوق في جرأته وانتشاره في قلب تجمعات العدو يوحي بأنه ليس انفجارا عفويا بالمطلق، ويشير إلى أن النوايا مبيتة منذ زمن طويل، وهذا أمر طبيعي لشعب لا يبادل حريته بثمن ولا يقايض على كرامته في اتفاق سلام سخيف.

كنا نتوقع أن تبادر سلطة رام الله إلى التهدئة وقد فعلت ذلك عندما أمر رئيسها بإطلاق النار على أي فلسطيني يتجه للاشتباك مع دوريات الاحتلال أو قطعان المستوطنين، كما أمرت إعلامها الرسمي بتجنب ما تسميه التحريض، وصار تليفزيون فلسطين يقدم أغنيات الأطفال وبرامج التراث والطبخ في ذروة المواجهات.

وكنا نتوقع أن تسعى سلطة غزة إلى نسخ التجربة السورية في الخطاب الناري والإجراءات الجليدية التي تسعى إلى تبريد منطقة الحدود مع الكيان الاحتلالي، وقد فعلت ذلك عندما أعلنت قرارها منع إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، ومنع الشباب الفلسطيني من الاقتراب من السياج الحدودي حتى مسافة خمسمائة متر.

هناك مشروع جديد للمقاومة لا تستطيع إسرائيل ولا حلفاؤها الدوليون والإقليميون والعرب احتماله، وهو مشروع يبقي كرة نار ملتهبة تتوهج أحيانا وتخفت أحيانا لكنها لا تنطفئ تماما، لا باجتياح احتلالي ولا بقرار سلطوي. هذا المشروع لا يرتدي ربطة عنق ولا عمامة شيخ.

تعليق عبر الفيس بوك