حكاية انتفاضة

سلطان الخروصي

"...وتقدّمت قواتنا الباسلة لنصرة أرض الرباط والنضال بكل ما يحمله المجاهد العربي من نخوة النصرعازمًا على استرجاع الحقوق من درن الغاصبين..." ذات مساء مفعم بنشوة المناصرة للقضية الفلسطينية وبالتحديد في 8 ديسمبر من العام 1987م، أذاعت القنوات العربية ما يدور في فلسطين المحتلة والتي (كانت) القضية الجوهرية الأزلية بين العرب والصهاينة حينما بدأت شرارة الانتفاضة الأولى والتي عرفت بانتفاضة الحجارة من جباليا بقطاع غزة، لتنتشر إلى المدن الفلسطينية كانتشار النّار في الهشيم،وبعد أربع سنوات عجاف انطفأت جذوة تلك الانتفاضة وبالتحديد في 1991م، لتُختزل أرواح الشهداء الألف والأربعمائة - حسب الإحصائيات الفلسطينية- بين أدراج اتفاقية "أوسلو" والتي أُبرمت بين الصهاينة ومنظمة التحرير الفلسطينية بمدينة واشنطن وبمباركة "بيل كلينتون" - الرئيس الأمريكيالأسبق-حيث تضمنت نصًا صريحًا باعتراف الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"- باعتباره ممثلاً للشعب الفلسطيني- بالحق الأزلي سياسيًا وتاريخيًا وجغرافيًا لإسرائيل في قيام دولتها بأمن وسلام،بل وتجريم المنظمة لأيّ سلوك عدواني تجاه الطرفين، مقابل أن يعترف الطرف الآخر (الصهاينة) بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل حقيقي للفلسطينيين تجرى معها المفاوضاتحول مختلف الملفات المتبادلة بينهما، ومن خلال ذلك نلحظ تنازلاً فلسطينيًا صارخاًعن التشبث برفض الاحتلال، بل والتسول لإيجاد اعتراف شكلي بقيادة هُلامية للطرف الآخر، من جانب آخر نلحظ براءة عربية مطلقة من القضية وانسلاخ شبه كامل عن التدخل في الحسابات الدولية المُتصلة بالقضية الفلسطينية.

بعد عقد ونيف من الزمن الملطخ بدماء الحرية والنضال يُجدد الفلسطينيون العهد والولاء لوطنهم وقضيتهم الإنسانية، تاركين خلافاتهم وانشقاقاتهم خلف قضبان المحتل، لتنطلق ثورة الحجارة من جديد في 28 سبتمبر (أيلول) من العام 2000 ويقدم الفلسطينيون ملحمة سخيَّة من خلال 4412 من الشهداء - حسب المصادر الفلسطينية- فتُحرِج هذه الانتفاضة العروش العربية وتُذكِّرهم بمعنى حُرية الدم والعقيدة والوطن، حينها خرجت بعض المظاهرات الخجولة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي مُنددة ببشاعة سلوكيات الصهاينة غير الإنسانية ومناصرة للفلسطينيين، بينما سكتت بقية دول العالم العربي دهرًا ونطقت كفرًا بعد مماطلات وإحراجات وضغوطات جعلتها في صورة غير أخلاقية لتعقد قمة عربية طارئة في القاهرة،وبعد أخذ ورد تمخض الجمل فولد لنا فأرًاحينما خرج العرب المجتمعون بنفس الأسطوانة المشروخة حيث الكلمات الثلاثة المضحكة (نُدين، نستنكر، نشجُب)، ومرة أخرى ينفض العرب أياديهم من غبار القضية الأزلية التي ناضل من أجلها حكام وسياسيون وأدباء عرب عبر تعاقب الحقب، لتنجلي الانتفاضة الثانية في 8 فبراير (شباط) 2005 عبر قمة شرم الشيخ بمصر وتختزل من جديد عبر تعهد محمود عبّاس وأرئيل شارونللمضي قدمًا في تحقيق أبجديات خارطة الطريق - للسلام الشرق أوسطية - برعاية مصرية وأردنية.

ومرة أخرى يُجدد الفلسطينيون العهد للعالم وللعرب بأننا بشر يحق لنا العيش الرغيد والحياة الكريمة باسم الإنسانية والحق التاريخي والحضاري، ففي هذه الأيام الحبلى بالأحداث الجسام والتي (قد) تُنذر باندلاع انتفاضة ثالثة يُقدم فيها الشعب العربي الفلسطيني فاتورة المراهقة السياسية للحكام العرب منذ سعيهم لفسخ عباءة الدولة العثمانية وإعلان الثورة العربية الكبرى 1916م، بقيادة الشريف حسين بُغية الاستقلال، يُجدد الفلسطينيون الولاء لوطنهم وشرفهم وكرامتهم بعد أن حاول العالم أجمع بلا استثناء أن يطمر حقهم بالعيش في الحياة كما أعدمت قبلهم شعوب برمتها مع بدايات العصر الحديث، وأمام كل ذلك لا يزال المشهد يتكرر من قبل السادة العرب ولسان حالهم: " نحن في شغل فاكهون"!، نعم أصبحت الطائرات العربية تُحلق في سماء المعارك وتقصف بلا خجل ولا وجل، وأضحت البوارج تُحكِمُ قبضتها على البحر من أقصاه إلى أقصاه، وبدأت حناجر القادة الأشاوس تصدح وتُهدد وتساوم في المحافل الإقليمية والدولية برغبة دون رهبة، وبذخت الأموال ولا تزال لتقوية شوكة العسكر للذَّود عن الحق ونُصرة المظلومين، واجتمع العرب بالقول والفعل في تحالف عربي عجيب ليكسروا المثل الدارج "اتفق العرب على ألا يتفقوا"، لكن السؤال الذي يُطرح: إلى أيّاتجاه أشارت بوصلة العرب حتى يزجوا بكل هذا الزخم والإنجازات العظيمة؟، أترك لكم الجواب أيها السيدات والسادة.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك