مخطَّطات "مهجورة" تنتظر الخدمات

إضاءة

مسعود الحمداني

تقومُ وزارة الإسكان باستحداث المخططات بمختلف استعمالاتها (السكنية والتجارية والصناعية)، ومن ثمَّ تقوم بتوزيعها على المواطنين الذين يقفون في طوابير طويلة تصل إلى سنوات للحصول على تلك الأراضي، وهنا ينتهي دورها، ويبدأ دور جهات أخرى في توصيل الخدمات لتلك المخططات.

وقد يُصاب المواطن بخيبة أمل لا تُوازي تلك السنوات من الانتظار، حين يجد أرضه في مكان بعيد عن المدينة، ودون خدمات حكومية، فيتحسَّر على سنوات الصبر الطويلة، ويحاول مراجعة وزارة الإسكان لاستبدال أرضه إلى منطقة أخرى، وهنا تبقى تلك المخططات مهجورة لسنوات طويلة أخرى، إلى أنَّ يصلها دورها في مد خدمات الكهرباء والماء الطرق والهاتف...وغيرها، وحينها يكون المواطن قد "تصرَّف" في أرضه رغما عنه.

... عشرات المخططات التي بقيت على حالها سنوات طوال: أراضٍ بيضاء لا تسمن ولا تغني من جوع، يقدِّم المواطن رجلا، ويؤخر أخرى لبناء مسكنه، أو لاستغلال أرضه التي حصل عليها، وقد يضطر لبيعها بثمن بخس (للمستثمرين) الذين لا يعييهم طول فترة الانتظار لتوصيل الخدمات، والتي تستمر أكثر من عشر سنوات أحيانا، يسيطرون بعدها على السوق العقاري، ويتحكمون في عمليات البيع والشراء، وحينها يخسر المواطن أكثر وأكثر!

ولا تزال كثيرٌ من المخططات السكنية والتجارية والصناعية على حالها منذ الثمانينات دون خدمات، ينتظر المواطن تعميرها، ويطول الانتظار دون أن يلوح في الأفق أمل؛ وبالتالي فإنَّ الدولة تخسر بشكل غير مباشر الكثير من العوائد الاستثمارية طوال تلك الفترة غير المستغلة في تلك الأراضي (التجارية والصناعية)، والتي كان من الممكن أن تصب في صالح الاقتصاد الوطني، وتُوجِد وظائف لعشرات من الباحثين عن عمل، وتحرك السوق خاصة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما أنها -أي الدولة- تفرِّط من جانب آخر (بالنسبة للأراضي السكنية) في بروز (تجمعات عمرانية) جديدة، وظهور حواضر ناشئة؛ وبالتالي تخفيف الازدحام السكاني في أمَّات المدن، وتولد مناطق جديدة على الأطراف، وتُعين المواطن على الاستكفاء بأرضه دون البحث عن أرض بديلة ذات خدمات، كما أنها تخفف العبء عن وزارة الإسكان من خلال تقليص أدوار المنتظرين، وتردده على الوزارة لاستبدال أرضهم (والتي هي موقوفة أصلا)، خاصة أولئك الذين يحصلون على قروض سكنية من جهات عملهم.

... إنَّ ضرورة توجه الحكومة نحو توصيل الخدمات الأساسية للمخططات بمختلف استعمالاتها فيه الكثير من الاستثمار الجدي والجيد للأرض، كما أنه يوفر على الدولة الكثير من الأعباء المالية على المدى البعيد؛ حيث ترتفع أسعار المواد يوما بعد يوم؛ وبالتالي ترتفع تكلفة اليد العاملة، والتوصيلات الأخرى.

وأعتقد أنَّ تعزيز ميزانيات الجهات المسؤولة كوزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه، وبلدية مسقط...وغيرهما من مؤسسات معنية بتوصيل الخدمات بات أمرا ضروريا، أو إنشاء جهة مركزية تقوم بها الدور، مما يصبُّ في صالح الدولة والمواطن على حد سواء، ويعمل على تسريع وتيرة التنمية العمرانية والاقتصادية للسلطنة، كما أنه سيخفف عن كاهل المواطن الكثير من الأعباء المالية التي يتكبدها حاليا في شراء منزل أو أرض له كبديل عن الأراضي (المهجورة) التي يحصل عليها أحيانا، وتكبّد الدولة الكثير من الأموال والجهد والوقت، والتي تظل على حالها إلى أن يأتي دورها في الخدمات، وهو دور طويل، وممل، ويشكل خسارة اقتصادية كبيرة على الدولة وعلى المواطن الذي لا يملك إلا الانتظار.. والمطر الذي لا يأتي.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك