المصنعة - الرُّؤية

أُسدل الستار على فعاليات وبرامج ملتقى عمان الشعري الخامس "عمان السلام"، الذي تواصلتْ فعالياته خلال الفترة من 4 وحتى 8 أكتوبر الجاري، في التقنية العليا بالمصنعة، بحضور متنوع من شعراء السلطنة والوطن العربي.واختتم الملتقى بأمسية شعرية تحت رعاية سعادة الشيخسباع بن حمدان السعدي أمين عام اللجنة العليا للاحتفالات بالعيد الوطني، أدارتها الشاعرة هلالة الحمدانية، وشارك فيها كلٌّ منالشعراء محمد الوبير وبدر الضمنىوحسن المعشنى، الذين قدموا خلال الأمسية أروع قصائدهم الشعرية الجزلة التي واكبت مسيرتهم الأدبية وصقلت مواهبهم الشعرية وحضروهم الثقافي، كما عانقت جل الأحداث العامة والخاصة التي تصادف الشاعر في مسيرته الشعرية. وفي ختام الأمسية، كرَّم راعي المناسبة الشعراء واللجان الفاعلة المنظمة للملتقى في دورته الخامسة.

وسبق أمسية الختام عرض ورقة عملبعنوان "تحولات القصيدة العامية في منطقة الخليج"، قدمها الباحث والشاعر الكويتي إبراهيم الخالدي، في أمسية تحت رعاية سعادة الدكتور إبراهيم بن أحمد الكندي الرئيس التنفيذي لمؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان.

وتناولتْ ورقة العمل الكثير من القضايا؛ أهمها:التحولات الكثيرة التي حدثت خلال القرون الثمانية التي أعقبت ظهور الشعر العامي؛ وذلك على صعيد اللغة، والأوزان، ونظام التقفية، والشكل الشعري، حتى تقولب الشعر العامي في مستويات ثلاثة؛ هي: مستوى النظم الإلقائي، وتنضوي تحته القصائد الشعرية التي تنظم بقصد الإلقاء، ومستوى الارتجال اللحظي، وتنضوي تحته فنون شعرية عديدة، كالقلطة والحداء والهوبال والدارمي...وغيرها من الفنون الشعرية المرتجلة.ومستوى التغني الشعري، وتنضوي تحته فنون شعرية كثيرة يقصد منها التطريب، كالسامري والهجيني والعرضة والموال والتغرودة والونة والكسرة وأغاني العمل والبحر بكافة أنواعها، ويقول الخالدي -في ورقته- إنَّه في أوائل القرن العشرين بدأ الاهتمام بتدوين تراث القصيدة النبطية في مخطوطات أو مطبوعات رائدة، وبدأت الساحة الشعرية العامية تكسب مساحات جديدة إعلامياً، حيث حفل النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي بمئات المطبوعات التي عنيت بتدوين التراث الشعري العامي للمنطقة، ومنذ إصدار "عبدالله الحاتم" و"خالد الفرج" لكتابيهما "خيار ما يلتقط من الشعر النبط" و"ديوان النبط" في أوائل عقد الخمسينيات فتح الباب لإصدار مجاميع شعرية حوت جانباً كبيراً من ذلك التراث، فتوالت الإصدارات في معظم دول الجزيرة العربية والهلال الخصيب، ورغم الإقليمية والقبلية التي اتصفت بها كثير من هذه المجاميع، إلا أنها قدمت في النهاية صورة بانورامية لوجه المنطقة الأدبي في القرون السابقة، كما أنها أسهمت في حفظ تراث إنساني كان معرضاً للضياع بسبب الاعتماد على الرواية الشفهية، إضافة إلى التغير السريع الذي طرأ على الظروف الاجتماعية والسياسية خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ورصد الخالدي -في ورقته- أهم التحولات التي طرأت على القصيدة العامية في منطقة الخليج العربي في السنوات الأخيرة على مختلف الأصعدة، تمثلت في الصعيد الإعلامي، وآلية تناقل القصيدة، وذلك من خلال الصفحاتالشعرية في الجرائد والمجلات والمجلة الشعبية المتخصصةوحركة نشر الدواوين الورقيةوالبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والقنوات الفضائية المتخصصةوفضاء الإنترنت والأمسيات الشعريةوالمهرجانات الشعرية الكبرى والمسابقات الشعرية المحفزة للشعراء والديوان المطبوع والديوان الصوتي. ومن التحولات الأخرى ذلك المبني على صعيد شكل القصيدة، حيث جسم القصيدة أصابه الضمور: بدأ رشيقاً سامقاً في القصائد الطويلة، وفي حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ومع رسوخ قدم الصحافة الشعبية، ومن بين التحولات أيضا ذلك ما هو على صعيد دور الشاعر، حيث تحوّل هو الآخر، بسبب التماس شبه المباشر بالمتلقي في مواقع التواصل الاجتماعي، فانقاد الشاعر نحو رغبة الجمهور، وعلى العكس من رغبتنا باستغلال الشاعر العامي هذا التماس لأداء دوره المهم كمثقف يحمل رسالة تجاه جمهوره، صارت أحلام النجومية والشهرة، و(الرغبة في التكسب المادي والمعنوي) هي المحدد الرئيس لما يقدمه الشاعر من نتاج، وبالتالي صار الشاعر تابعاً للذوق السائد، وصدى لأصوات الوضع السائد.

وأشار إبراهيم الخالدي -في ورقة عمله- إلى أنَّ من بين التحولات ما هو على صعيد المدارس الشعرية؛ حيث ظهر مع بداية القرن الحادي والعشرين ثلاث مدارس شعرية واضحة المعالم وهي مدرسة القصيدة التقليدية بشكلها الأصيل، وأفكارها السائدة، وطريقة التناول المألوفة. ومدرسة التجديد على صعيد الألفاظ، والصورة الشعرية، والموضوع، مع المحافظة على الشكل الموروث للقصيدة النبطية من حيث الوزن والقافية، ومدرسة القصيدة الحداثية، والتي استوردت مفهوم الحداثة من الشعر الفصيح، فبدأت تحاول الخروج على الأطر المتوارثة، فظهرت قصيدة التفعيلة، بل وبدأت محاولات لم تتكلل حتى الآن بالقبول والرسوخ للاستفادة من قصيدة النثر الفصيحة في عوالم الشعر العامي. واختتم الخالدي قوله بأنَّ من التحولات التي شهدتها العقود الأخيرة، ظهور حركة نقدية ناشئة،ونزعة بحثية جادة، فيما يتعلق بدراسة الشعر العامي في منطقة الخليج العربي، حيث بدأ النقد الشعري في عالم القصيدة العامية ينتقل من ارتجالية الانطباعات الشفوية لدى بعض المتذوقين الحاذقين، إلى ظهور حركة نقدية، وبدأ التنظير النقدي يظهر في مقالات وكتب خاصة، وبدأت تبرز لنا محاولات جادة لتطبيق النظريات النقدية الحديثة على النصوص الشعرية العامية، ولكن هذه الجهود ما تزال بحاجة إلى رفدها، ودعمها بجهود أكثر، سواء برفدها بأسماء أكثر، أو خلق مساحات جديدة لنشر نتاج النقد،كما أن الدراسات البحثية بدأت تكثر حول الشعر العامي في منطقة الخليج، وكثير منها يتخذ من شروط البحث الأكاديمي منهجاً لعمله؛ إذ لم يعد مقبولاً تلك الكتب العفوية، بدائية المنهج، سطحية المحتوى، وهي إن تواجدت، فيجب ألا تقبل سوى في إطار كتب الإمتاع والمؤانسة!ومما يدل على أننا أمام تحول إيجابي في مجال نقد الشعر العامي ودراسته هو ذلك العدد من المؤتمرات والحلقات النقاشية والمحاضرات التي تعقد لهذا الغرض، وبعضها قامت بتنظيمه جامعات ومؤسسات أكاديمية في المنطقة مما أنهى، أو يكاد، القطيعة السابقة بين هذه المؤسسات وشعرنا العامي.

وبعد عرض ورقة عمل الباحث والشاعر إبراهيم الخالدي، عُقدت الأمسية الشعرية قبل الأخيرة لعدد من الشعراء العرب الخلجيين والعمانيين.. وشارك فيها كلٌّ من: عمر اللهيميد ومنير بننصر وحاتم الجنيبى ومحمد العويسى، وأدارتها الإعلامية عزيزة البلوشية، وقدمت من خلال الأمسية العديد من القصائد الشعرية الوطنية والغزلية والذاتية الوجدانية، والتي عانقت الحضور بوهجها وتميزها.

وشارك في الملتقى من الشعراء من دولة الكويت كلٌّ من: بدر الضمني ونصار الظفيري وسعد صالح المطرفي وحمود أبو عوينة وعمر اللهيميد، ومن الإمارات: عبير البريكي، ومن من قطر: مبارك آل خليفة، ومن السعودية: فيصل اليامي ومحمد الدحيميومحمد مريبد ومحمد الوبير وتركي الميزاني، ومن العراق: خضير هادي، ومن تونس: منير بن نصر،ومن اليمن: علي الأشول، ومن مملكة البحرين: محمد بشير العنزي، ومن السلطنة: خالد العلوي وعبدالرحمن الخزيمي وأصيلة المعمرية ونبهان السلطي وحسن المعشني وماجد الحتروشي ومحمد العويسي وحاتم براجي.