أوراق الخريف

المعتصم البوسعيدي

الخريف فصل يلي الصيف ويسبق الشتاء، فصل تتناثر فيه الأوراق معلنة انتهاء آخر الفصول الأربعة، تمامًا كما السطور القادمة الحاملة معها بعض الأوراق التي ـ ربما ـ ستتساقط إيذانًا بعهد جديد له ما له وعليه ما عليه.

أول هذه الأوراق متعلقة برحلة منتخبنا الوطني لكرة القدم في التصفيات المزدوجة لآسيا وكأس العالم؛ حيث نصل إلى محطة المواجهة مع متصدر التصنيف الآسيوي منتخب إيران العتيد، مباراة وسمت بمفترق الطرق وأشبه ما تكون (بمفتاح) البوابة الآسيوية والعالمية، رغم أننا لا زلنا في نهاية جولة الذهاب والمشوار لا زال مفتوحاً على كافة الاحتمالات، لكن الأمر أيضًا ينطلي على وجود ورقة خريفية تأرجحت كثيرًا على غصن شجرة الكرة العمانية؛ أعني بذلك المدرب الفرنسي لوجوين، وحتى كتابة هذه السطور لا أعلم ما ستفضي إليه نتيجة المباراة؟! أستكون ريحاً تُعجل بسقوط ورقة (الميسيو) أم سُقيا خير ستبقى نضارتها؟! أم أن الفصول ستتوالى (وما يهزك ريح يا مركب هوانا)؟!

المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تمّ إنشاؤه بموجب المرسوم السلطاني 31/2012 ويعتبر أحد أهم مصادر المعلومات لتطوير الاقتصاد واستدامة التنمية؛ حيث يقوم بإعطاء المؤشرات اللازمة للقطاعات المختلفة، وقد طالعنا المركز قبل أيام بتقرير إحصائي عن سنة 2014 حول وجود 186 منشأة رياضية و7 آلاف لاعب و238 نشاطًا رياضيًا تأتي كرة القدم في صدارتهمن حيث عدد الملاعب واللاعبين والمعسكرات، وعند الحديث عن أهمية الإحصائيات وقيمة المعلومات يتبادر إلينا القوى العظمى ـ كما تسمى ـ كالولايات المتحدة الأمريكية التي يقال إن قيادتها للعالم جاءت على أساس امتلاكها القدر الأكبر من المعلومات، ومن المعلوم أنّ وجود الإحصائيات الدقيقة يساعد على اتخاذ القرارات، كما أنها تمثل القاعدة الصلبة في بناء الاستراتيجيات والخطط التنموية، وعلى هذا فإنّ الإحصائيات المقدمة من المركز الوطني تقع ـ كما فهمت ـ ضمن نطاق الإحصاء الوصفي، ومن أجل الاستفادة منها يجب على المعنيين برياضتنا بكل مجالاتها القيام بالإحصاء الاستدلالي التحليلي لإيجاد مُعطيات عمل حقيقي مبني بشكل علمي يُعالج ويُطور، وإلا فإنّ هذه الإحصائية ستكون ورقة خريفية متساقطة لا قيمة لها!!

إحدى المتخصصات في التثقيف الصحي عند حديثها عن ما يسمى (بالرُجيم) لامست نقطة مُهمة؛ حيث أوضحت أن اعتبارات (الرُجيم) ليست في قطع الطعام عن الجسم وممارسة الرياضة، بل في التوازن الذي سيُوفر النجاح ليس على المستوى الصحي فقط إنما يُقاس الأمر على كل شؤون الحياة، حاولتُ بعدها إسقاط الأمر على رياضتنا ووجدتُ أن هناك خللا في التوازن على أكثر من صعيد، ولنا في رياضيينا عبرة عندما تتجاذبهم يد استغلال مواهبهم وقدراتهم دون مراعاة لطاقاتهم ولمعيار الأولوية، لنا عبرة في توزيع الإنفاق بصورة مبالغة على مجالات بعيدة عن الرياضة من جهة رياضية بحجة ممارسة المسؤولية الاجتماعية، لنا عبرة في أندية لا تقدم ما يُطور الرياضي بالشكل السليم وتحاسب الاتحادات على عدم التطوير، ولنا عبرة في اتحادات تحاسب النادي على عدم التنظيم وهي تمارس العشوائية بشكل أو بآخر، الورقة الخريفية المتساقطة تتمثل في عدم مقدرتنا على التعامل مع الرياضة في تكاملية تقود لهدف واضح، فنحن لدينا (لخبطة) في هذا الجانب!!.

جاءني أكثر من طلب من بعض الأصدقاء والمقربين للكتابة عن ظاهرة كتابة الاسماء في قمصان الأندية بدوري عمانتل للمحترفين والسماح للاعبين بكتابة ألقابهم دون أسمائهم الحقيقية، إضافة لظاهرة التقليعات في قصات الشعر وارتداء الملابس التي لا تمثل مجتمعنا بعاداته وتقاليده حسب رأي الكثيرين، وحتى نكون صريحين في هذا الموضوع أرى ضرورة مراعاة أمرين متلازمين الأول الحرية الشخصية والثانية الجهة المسؤولة، والأخيرة هي (رمانة الميزان) وعلى ذلك يجب أن تتمحور المسؤولية في نشر ثقافة الإدارة بالقيم المعززة للسلوك الإداري والإنساني، وبالتالي فإنّ الحرية الشخصية ستدار ذاتيًا وفق منهج يُدار من المؤسسة، والإدارة بالقيم "تحافظ على تحقيق أي مؤسسة على تماسكها وإبراز هويتها واستثمار طاقات أفرادها" وأجزم أننا اليوم بحاجة ملحة للتمسك بقيمنا وإن صغرت أهميتها في نظر البعض؛ نظرًا لتزايد أهمية "الأخلاقيات في عصر المعلومات"، وليسمح لي القارئ بالقول إنّ العادات والتقاليد لا تمثل الهاجس فهي أيضًا يشوبها النقص والسلبية وهي من المتغيرات وليست من الثوابت، لذلك يقول الفاروق رضي الله عنه: (لا تعلموا أولادكم عاداتكم فإنّهم مخلقّون لزمان غير زمانكم)، ولا ريب أن ظواهر كتابة الألقاب وغيرها تتطلب إدارة تزرع الوعي المؤسس للتغيير المطلوب، لكن الخوف كل الخوف من أن تكون القيم ورقة خريف متساقطة!!

أتمنى ألا نصل لمرحلة قول الشاعر إبراهيم وليد إبراهيم: "يتساقط النّاس في حياتنا.. كأوراق الخريف، لا وزن لكل من سقطوا في مهب الريح، لكنهم في نهاية الأمرِ.. خففوا من حِمل تلكَ الشجرة" فدعونا نتفاءل؛ فليس كل سقوط يعبر عن نهاية؛ "فسقوط المطر هو أجمل بداية".

تعليق عبر الفيس بوك