حمامة سلام بيضاء

مدرين المكتومية

بات السلامُ والسكينةُ حلمًا مستحيل التحقق في عصرنا الحالي الذي يعُج بالنزاعات والصراعات والاقتتال، وبمبررات لا ترقى إلى مستوى الدماء التي تسيل من إخوة، وصل الأمر إلى أن يقتل المسلم أخاه المسلم من أجل خطة سياسية وتنفيذًا لنظرية تنطبق بالأساس على عالم الحيوان وهي "البقاء للأقوى". اختلط الحابل بالنابل، ولكن يظل حلم يراودني بين الحين والآخر بأن يصبح العالم بلا قطرة دماء، ولكنه يتبدد عند سماع ما تتناقله وسائل الإعلامعن نزوح، لجوء، مقتل، وأحلام قد تلاشت مع الرياح العاتية وباتت هباءً منثورًا.

العالم يقتل بعضه البعض وبذلك يظل العالم في حالة رثاء دائم، نعم إننا نختلف، ونعم إنّ أحلامنا تتفاوت ومعتقداتنا أيضًاولكن تظل "الإنسانية" هي الرابط المقدس الذي يجب أن نتكئ عليه وهي علاج لكل داء نعيشه، بالأمس تناقلت المحطات ووسائل التواصل الاجتماعي أخبار قتل وحرق ودمار، وصورا مؤلمة عبر المواقع تثير الغصة في دواخلنا تخنق الإنسانية التي تخلينا عنها لأسباب لا أدري إن كانت أصلاً مهمة فعلاً، تلك الإنسانيه التي تئن وتذرف الدموع مرارا وتكرارا دون أن يلبي أحدهم النداء. إنّه حلم في وقته الآني شبه مستحيل بأن تمد يدك بباقة زهور وأكاليل ورد التوليب لعدو لا تعلم كيف أصبح عدوك، وهو يحمل نفس ديانتك.

العالم يختلف، ومعطيات الحياة تتغير، فبمجرد أن تناسينا أننا جئنا من آدم وحواء وننتمي جميعنا على اختلاف دياناتنا ومعتقداتنا إلى نفس السلالة أصبح ما يحدث أمرا عادياً عند كثيرين، لأننا تناسينا الأصول البشرية الأولى، وأننا من تراب وإلى تراب، مهما امتلكنا وكنّا وأصبحنا هناك حقائق لن تتغير وإن أشتريناها بالمال والذهب، هي حقيقة الموت والعودة للأصل الذي تتساوى عنده جميع الطبقات البشرية التي عاشت فوق الأرض يوماً وتعالت على غيرها من البشر، الألم الحقيقي أننا لا نقوى على الحراك أو رسم ملامح التغيير لقادم أجمل، لأننا نفتقد الحوار ونفتقد تقبل الاختلاف، ونفتقد الفطرة الإنسانية التي ولدنا عليها مفضلين على الملائكة جئنا للأرض لنُعمرها لا لندمرها.

كل هذه العوامل أفقدتنا الإيمان الحقيقي الذي يمنعنا ويردعنا عن ممارسة الأخطاء، هناك بشر يشعرون بالأسى ولا ينامون الليل بسبب قتلهم بالخطأ لحيوان ما على قارعة الطريق أو ضربهم لأحد أبنائهم ولو ضرباً هيناً، فما بالكم بمن يقتل إنساناً، أو طفلاً بريئاً لا حول له ولا قوة سوى أنه ولد في بلاد الحرب والقهر، ولد وتمنى لو لم يولد لكي لا تكون نهايته تحت الأنقاض أو بين أيد أناس انتزع الله من قلوبهم الرحمة فمارسوا تلك الممارسات الشنيعة التي مارسها هتلر يومًا ما على الإنسانية.

نحن بحاجة لأن تحلق على عوالمنا حمامة سلام بيضاء، حمامة لا تتوقف إلا وقد توقف العالم عن سفك الدماء والقتل، حمامة تبشرنا بالسلام وتذكرنا بأننا خلفاء الله في الأرض وأننا هنا لنُعمر ونبني ونشيد ونقيم علاقات إنسانية جميلة، نحن بحاجة لأن نعيش متجردين من كل الشوائب النفسية والحقد والغل، نعيش بعيد اعن اللعبة السياسية وكأننا على لوح شطرنج يحركنا أحدهم كيفما يريد وإلى ما يُريد؟ وفي النهاية نسجل الخسارات مقابل تسجيله للربح وتحقيقه للأهداف التي يسعى لها. دعونا نتجرد من كل شيء ولا ننظر من حولنا إلا "للإنسان".

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك