"وأمرهم..."

سلمى اللواتيَّة

تُعتبر مُمارسة الشورى أعلى قمَّة الهرم في مفهوم الشراكة وحسن المواطنة بما تحمله من أبعاد اجتماعية وتنموية تقتضي نضج المجتمع الممارس لهذا الحراك السياسي والاجتماعي...إلى غير ذلك من الجوانب المهمة. وإنني على يقين من أنَّ هذه العُجالة لن تكفي للحديث عن كل جوانب هذا الحراك، لكنها محاولة للملمة المتشعب في حديث يكون قليله دليله. إنَّ ما يسهل مهمة الحث على ممارسة الشورى هوهذا التكوين الإنساني الفطري الفريد الذي يدفع بالمرء للمشاركة في كل ما يهمه من أمور؛ بحيث تعد رغبته في إبداء الرأي أصيلة في نفسه،ولا أدلَّ على ذلك من سقوط الديكتاتوريات ونشوء الديمقراطيات على مر التاريخ،وكلما انتظم المجتمع البشري وتراكمت خبرته الإدارية والسياسية وتشعبت مصالحة الحياتية تنامت تجربة الشورى في حياته لتتبع التجربة أختها. أما الإسلام، فقد جعلها حقا مفروضا للشعوب إذ مارسها أكمل البشر محمد(ص) مع كونه معصوما من الزلل،ولكنها السُّنة الإدارية والسياسية التي كان ينبغي أن تتعلمها الأمة من رسولها، بل الأمم من خاتم الرسل لتبقى أساليب التطبيق خاضعة لظروف المكان والزمان.

أمَّا في عمان، وبعد سبع فترات من ممارسة الشورى، ونحن على أعتاب دورة جديدة،وعرس ديمقراطي جديد، فإنَّه مما ينبغي الالتفات إليه في نظري هوالأبعاد الثرية لهذا الاستحقاق الذي يناله المواطن للمشاركة في المسيرة التنموية في البلاد، إنه استحقاق يتضمَّن الكثيرَ من الواجب الملقى على المواطن، وهنا أتحدث عن واجب يتجاوز المشاركة في الانتخاب،ويتجاوزاختيار الأفضل،وإن كان ذلك مهما إلا أنه ليس الحلقة الأهم في الموضوع؛ فلوأراد المواطن رفع درجة الاستحقاق وجب عليه رفع درجة المتابعة لأدء المجلس بحضور الجلسات العامة مثلا، ولوأراد الموطن التدرج أكثر في رفع درجة الاستحقاق من قِبَل المشرِّع؛ فلابد أن يقابله من طرفه برفع درجة الوعي الذاتي والتثقيف بما يجعله مُتجها نحوالمواطنة المُنجِزة خارج دائرة الظواهر الصوتية والبحث عن الأدوار على حساب الوطن،وأظن أنَّ سقف الاستحقاق حتما سيرتفع لوارتقى المواطن بوعيه للدرجة التي تمكنه من قراءة البرامج الانتخابية للمترشحين وتحليلها بالمقارنة مع الخطط التنموية في البلاد لتتسنى المفاضلة على أسس علمية.

ومن جانب آخر، فنحن ننتظر من مجلس الشورى إعلانا متكررا عن الجلسات العامة،وتوعيةً أكبر في الصحافة والإعلام حول الشورى ومردودها على مسيرة التنمية في البلاد، لا في مواسم الانتخاب فحسب،إنما على مدار العام؛ بل وننتظر أن ينتقل حديث الشورى إلى المناهج الدراسية لنخرّج أجيالا جاهزة في مراحل أبكر ممن سابقتها؛ إذ إنَّ الديمقراطيات تبنى ولا تملى. أما القيمة الوطنية الأسمى، فننتظرها من أعضاء مجلس الشورى،ومرة أخرى ليس إلى حد أداء المهام بإخلاص ومهنية وتخصصية بالغة فقط؛ بل في إعداد الصف الثاني الذي يأتي ليكمل المسيرة (الشورقراطية) على بصيرة ورؤية قد أخذت أبعادها الشاملة وترسخت تجربتها عبر سنين نظر يتبعها عمل؛ ليتحقق معنى التكامل بين أبناء الوطن كلٌّ من موقعه، حينها تكون البينيّة في قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" الشورى(38)عنوانا ملازما للتنمية المستدامة في وطن يستحق أعلى درجات المشاركة للارتقاء.

s.allawati@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك