هنا مسقط

أحمد الرحبي

في عين الزائر لمسقط تعتبر هذه المدينة في نظره مدينة هادئة متناسقة التخطيط في المباني والعمران، فتتميز بتوازن تام ما بين الوظيفي والجمالي في تخطيط مبانيها ومرافقها بعيدًا عن المبالغة في التزويق وتغليب فخامة المظهر، فمبانيها وعماراتها التي لا تتجاوز 12 طابقًا لا تعتبر واجهات للفخامة مثلما هو الحال في بعض المدن الخليجية ولكن التنسيق الظاهر في تصميمها والذي يعكس سمات النمط الإسلامي والعماني المحلي للعمارة يغني عن الفخامة المفتقدة فيها.
وإذا تتبعنا بعين خبيرة فاحصة سمات النمط العمراني الذي تعكسه المباني في مسقط بشقيه الإسلامي والمحلي التقليدي فإنّ بعض المباني والمنشآت لا شك تعتبر أيقونات في العمارة لا تمل العين من التملي فيها أبدًا، فنجد أنّ التناسق يجعل الكتلة الأسمنتية للمبنى تشع جمالاً أخاذًا وهو يندمج مع الواجهات الجبلية والبحرية للمدينة وهي الواجهات التي تجعل من مشهد مدينة مسقط للناظر سواءً في النهار أو في الليل مجللا برومانسية وأسطورية حالمة، حيث تبدو مسقط كمكان للزائر بمساطبها الجبلية المطلة على زرقة البحر، يؤطر المشهد فيها القمم الجبلية من جهة ومن جهة أخرى تحيطها الخلجان والشواطئ الرملية الزرقاء على شكل قوس لازوردي أخاذ، تبدو تحت النظر ذات جمال غامض تغلب عليه المسحة الرومانسية الساحرة، فهذه المدينة هي بلاشك تتميز بسمات مختلفة عن باقي المدن والعواصم الخليجية المسطحة المساحة، الصحراوية التضاريس، فمسقط كمكان هي تجمع في تميز واضح بين الجبل والبحر الذي ينضح بجانبها والذي صنع شهرتها في التاريخ كميناء تجاري مهم حيث كانت تعتبر عبر التاريخ نقطة توقف مهمة لابد منها للرحلات التجارية وحركة التنقل النشطة بالسفن المحملة بالبضائع على مدى قرون طويلة جدًا من عمر تاريخ التبادل التجاري في الشرق على الخط الشهير المعروف: البصرة - مسقط ـ الهند - الصين.

ومن بين السمات التي تتميز بها مسقط خليجيا أنها تعتبر مدينة شبه فيضية بالنظر إلى الأودية الخصيبة التي تخترقها منحدرة بمياهها من على سفوح سلسلة جبال الحجر الشرقي، هذا على مستوى التميز الإقليمي والتاريخي، أما على مستوى الجغرافيا العُمانية فمسقط تعتبر على رأس أقدم أربع مدن عمانية كان لها حضورها المؤثر في التاريخ العماني حتى فترة قريبة وهي نزوى وصحار والرستاق، وإذ ظلت هذه المدن الأخيرة تكتنز بالرمزية إلى المجد التاريخي والاعتزاز الوطني في الذاكرة العمانية الحيّة فإنّ مسقط إضافة إلى رمزية المجد التليد والاعتزاز والسيادة الوطنية (كونها عاصمة البلاد) التي تمثلهما، هي تعتبر حاليًا قبلة عمان من حيث كونها مازالت تشغل دور عدة مدن: سياسية واقتصادية وتجارية وإدارية في فضاء مدينة واحدة تشغل امتداداً شاسعًا مساحته الإجمالية تقدر مساحتها بـ4635 كم، فهي مازالت تعتبر المدينة السياسية والإدارية والاقتصادية والتجارية الوحيدة في السلطنة.
لكن من جانب آخر نجد أنّ مدينة مسقط قد تعرضت منذ البدايات المبكرة لحركة توسعها، إلى أخطاء تخطيطية فادحة وكانت هذه الأخطاء على مر السنوات تنتج تراكمًا من الإشكالات في التخطيط أفضت إلى الوضع الحالي للمدينة: أزمة واختناقات مرورية في الشوارع، توسع وانفلات أفقي متشظ في جميع الاتجاهات لا يمكن السيطرة عليه، وثالثة الأثافي هو تعرض مساحات كبيرة من مدينة مسقط لخطر الغرق في السيول عند أقل هطول مطري تتعرض له المدينة، فعدم اعتماد رؤية تخطيطية بعيدة المدى لشبكة واسعة للشوارع منذ البداية في المدينة أنتج هذا الوضع من الاختناقات غير المبررة في مسقط، وكان اعتماد التوسع العمودي أو الرأسي في بدايات التخطيط العمراني لمسقط سيساهم بدرجة كبيرة في لجم هذا التوسع الأفقي المتسارع الذي تعيشه المدينة، ولو أن توزيع الأراضي وتخطيط أماكن السكنى في المدينة وضع بناء على استقراءات طبوغرافية المكان في مسقط والتزم بدقة بدرجة الانخفاض والارتفاع في الأراضي والمساحات الممنوحة لجنب المدينة الكثير من الخسائر في المرافق العامة والأملاك الخاصة لسكان المدينة ولجنبها بلا شك كارثتي إعصار جونو وفيت اللذين أصابا المدينة في مقتل.

تعليق عبر الفيس بوك