لو كنت مترشحة

د. سعيدة بنت خاطر الفارسي

بدأت حمى التنافس الانتخابي تشتعل، ورغم كتابات كثير من الكتاب عبر الصحف، وتناول الموضوع عبر الإذاعة والتلفزيون، ورغم تناول الموضوع بالتوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي،إلا أنّ روائح التنافس عبر الطرق الملتوية والتلوث السلوكي قد بدأت تنتشر.

ومن المعروف سلفاً أنّ الانتخابات سلوك ثقافي حضاري للمجتمعات الإنسانية، وأنّالانتخابات في مجتمعنا في طريقها للتنوع فلم يعد مجلس الشورى فقط المرتكزعلى الانتخابات، بل تعددت المجالس والنقابات والهيئات التي تقوم على ثقافة الانتخاب، لذا لم تعد ثقافة الشعارات: صوتك أمانة، وتلبية نداء الوطن، والتفاني في خدمة المجتمع كافية، مالم نغرس سلوكيات في نفوس الناشئة تتربى عليها وتمارسها ممارسة فعلية حتى تصبح عادة من العادات المجتمعية ملازمة لسلوكياتنا في الكبر.

وتبقى الانتخابات النسائية هي المعضلة الأكبر في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة،وفي حديث داخلي بيني وبين نفسي، انبثق هذا الحديث حول ماذا سأعمل لوكنت مترشحة؟

من المعروف أن الخبرة النسائية قليلة جداً في هذا المجال، لأنّ عمرها لايتجاوز عقدين من الزمانتقريباًفي عُمان،وبدأت تجربتنا البرلمانية في الشورى،بدفع المرأة بمشاركة ومساندة حكومية كبيرة آنذاك، وبشبه غفلة عن المكتسباتالسلطوية من الرجل، ولأن وعي المرأة العمانية قد تطورنتيجة لتطور المجتمع ومتغيراته، يتوجب على المرأة المترشحة أيضاً أن تتغير حتى تستطيع أن تواكب الزمن وتصل إلى ما تهدف إليه حتى لو بعد سنوات قادمة.

ويبقى الحديث وهو مجرد حديث نفس ليس نصائح،ولا نقل تجربة حول ماذا سأفعل لو كنت مترشحة؟

- لوكنت مترشحة لوقفتُ متجردة صادقة أمام ذاتي مرددة ماذا أريد من هذه المشاركة، هل لدي هدف عام حقيقي أسعى لتحقيقه،أم أنّ أهدافي ذاتية شخصية بحتة،إذا كان جوابي هو التساؤل الثاني فمن الأفضل أن أوفر جهودي، وأترك المجال لمن يستحقه أكثر، ولمن سيصبر أكثر على تحقيق مايؤمن به من أهداف عامة.

- لوكنت مترشحة لوقفت كل صباح أمام نفسي وشكرتها على ثقتها بذاتها وجرأتها، وعلى الطاقات الإيجابية التي تتمتع بها، رغم الفشل الذي مرت به الانتخابات النسائية السابقة، وبعد الشكر سأقول لنفسي أنا امرأة قوية ولدي قدرات ووعي ومؤهلات تؤهلني لهذه الوظيفة، إذن أنا شخصية متميزة تستطيع أن تواصل المعارك الانتخابية التي ستخوضها.

- لوكنت مترشحة سأمارس التجربة بكل حب،وأقبل عليها بكل شغف واستمتاع، وبكل رحابة صدر، وسأبتعد عن التشنج والقلق والتوتر المرضي والخوف من الفشل، الذي يُعيق نمو الفعل واكتساب الخبرات.

- لوكنت مترشحة لأطلعت على كل مايتعلق بدور الشورى وأهدافه وبرامج عمله وعكفت على قراءة الكتب التوعوية التي يصدرها المجلس، وبعد أن ينتهي موسم الانتخابات وتعود الحركة إلى سلاستها الطبيعية أضع لنفسي برنامجاً أدخل فيه إلى مجلس الشورى وألتقي فيه بالأعضاء واللجان للتعرف عن قرب وبشكل عملي على برامج الشورى، ولو سمح لي بحضور بعض الجلسات أحضر للاستفادة .

- لو كنت مترشحة لنسقت مع المترشحات في الدورة لوضع الأيدي مع بعض من أجل عمل جماعي موحد كفريق منسق متعاون، وتجربة المرأة الكويتية الأخيرة، خير مثال، فاليد الواحدة ضعيفة، من باب يد الله مع الجماعة، و

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا

وإذا تفرقتْ تكسرتْ آحادا

- لو كنت مترشحة سأبتعد عن الإجابات الجاهزة للأسئلة الجاهزة، مثل لماذا تترشحين للشورى؟ فتأتي الإجابة مجانية لخدمة وطني، ولأنّ أي إنسان عادي يمكنأن يرد عليك، وهل خدمة الوطن لاتتأتى إلا عبر مجلس الشورى! فالفلاح يخدم وطنه والصياد يخدم وطنه وعامل النظافة يخدم وطنه، بل إن المجتمعات تحتاج لهؤلاء ربما بشكل مضاعف عن عضو الشورى، إذن لو كنتُ مترشحة،لوضعتُ لنفسي أهدافًا واضحة ومقنعة أريد تحقيقها لمجتمعي من خلال هذا المنصب.

- لوكنت مترشحة ابتعد عن الوعود الخادعة البراقة والكبيرة، بتقديم الخدمات لمدينتي أولقريتي، والوعود النسوية الخاصة، وذلك لعدة أسباب، أولاً: لأنّ اختصاص مجلس الشورى ليس خدمي، ثانياً : لأنّ الوعود الكبيرة مثل توفير العمل للشباب العاطل، وتشغيل القطارات وبناء المستشفيات، هذا من ضمن أولويات الحكومة وخططها، ثالثا :لأنك لم تترشحي لخدمة المرأة فقط، وإلا لفقدتِ أصوات الرجال، وهذا مالايفعله الرجل مع النساء.

- لوكنتُ مترشحة لشطبتُ من لساني كل الشكاوي والاتهامات للطرف الآخر المنافس، وتجاهلتُ كل مايصلني عنه من أخبار، وسأنكب على تقوية الذات، وصقل تجربتي، والتركيز على حملتي الانتخابية. وبذلك انتقل من مرحلة القيل والقال إلى مرحلة الفعل الجاد فقط.

- لوكنت مترشحة سأتسلح بالصبر، وسأقنع نفسي أن فشل التجربة هو ليس فشلي الشخصي، وليس نهاية الحياة، وأن معركتي كأنثى طويلة الأمد لأنها معركة مع التقاليد الخاطئة والأعراف البالية التي ينبغي أن تتغير، وأنني سأشارك في تغييرها بإصراريعلى المشاركة في الانتخابات المستقبلية، لأنه من البديهي إن لم أفز في المرة الثالثة سأفوز في السادسة، الأمر الذي يؤدي إلى نمو التجربة السياسة تراكمياً لدى المرأة.

- لو كنت مترشحة سأستعين بأقاربي من الرجال الأقرب فالأقرب، الزوج الأبناء الإخوة الأب الأعمام الخوال لإقناعهم أولاً،ثمليساندوني في جلب الأصوات الرجالية، فلكل منهم صديق ولكل صديق صديق الصديق، وبهذا أضمن شبكةممتدة من الأصوات الرجالية، وأفعل ذات الشيء مع الأصوات النسائية بالإضافة إلى قربي منهن كامرأة.

- لو كنتُ مترشحة لاستعنتُ بمن يؤمن بقضيتي كعضو هام وشريك فاعل في التنمية،ليتبنى حملتي والصرف عليها مالياً،واختيار الشخص المُناسب من ذوي الخبرات ليُدير لي حملتي الانتخابية، فعلى سبيل المثال ترشحت صديقتي الشاعرة كلثم عبدالله من دولة الإمارات واستعانت بمدير لحملتها الانتخابية، والآن لو فتحنا أي موقع في وسائل التواصل بالإمارات، سنجدها بالصور وبالأهداف المقنعة المفيدة لكل فئات المجتمع، وعبر موقعها الخاص وعبرالتلفزيون والجرائد والمجلات،حملة شديدة الوضوح والكثافة والنشاط والإقناع .

- لو كنت مترشحة لما تجاهلتُ قطاع الشباب من التوعية فهل يعقل أن الموسم الانتخابي في أوجه ولا محاضرة ولا توعية ولا لقاء يجمعنا بشباب الجامعات والكليات العليا وهم في سن يؤهلهم للانتخاب؟

- لو كنتُ مترشحة لسعيتُ للنساء اللاتي ترشحن قبلي والتقيت بهن مجتمعات أو فرادى عبر الواقع أو عبر وسائل التواصل وطرحتُ عليهن أسئلتي للاستفادة، لماذا انسحبن؟ لماذا لم يكررن التجربة؟ ماذا فعلن لإنجاح حملاتهن؟ ما أسباب الفشل، ثم ألجأ لمن نجحن في الوصول للشورى للاستفادة من خبراتهن كيف وصلن؟ وماذا فعلن، ولأبدأ بالأحدث منهن لأنّ الظروف المجتمعية سريعة التغيرات وفقا لمتغيرات الزمن، ثم أبدأ بفرز إجاباتهن لتعزيز الطاقة الإيجابية،وشطب ما يولد الطاقات السلبية التي ستنعكس سلبًا على مشاركتي.

- وأخيرًا لو كنت مترشحة ستكون فترة الراحة لالتقاط الأنفاس وإعداد الذات وصقلها وتقوية الشخصية واستكمال جوانب النقص فيها وطلب الإرشاد والمساعدة من الجهات الرسمية والأهلية والأفراد الذين أثق في فكرهم، ولن أقصر تجربتي على عُمان بل سأتواصل مع نساء نجحن ووصلن للمجالس البرلمانية بالانتخاب في الخليج العربي مثلاً،لتطوير تجربتي وتعزيز الجوانب الإيجابية فيها.

ولعل السؤال الذي يتبادر إلى ذهنية القارئ، طالما تتحدثين مع نفسك هكذا لم لاتترشحين، الإجابة ببساطةلأنني مشغولة بأمور أخرى وصاحب بالين كذاب، فما بالك بصاحب عشرة، فمن وجهة نظري أن الترشح للشورى يحتاج لامرأة تجعل من هذا الترشح قضيتها وهدفها وهمها الأساسي الذي تسعى للوصول إليه، وأنا لدى اهتمامات أخرى مختلفة جدًا عن هذه المجالات، وإلا لترشحتُ منذ زمن بعيد.

تعليق عبر الفيس بوك