كينونة مبعثرة شطر السؤال

مريم العدوية

إليها.. أي قِبلة توليها زهرة الشمس وجهها إذا ما حلَّ الظلام؟!

الحياة ضيقة

لا أتصوَّر الحياة دون أفق أرحب، نتنفس منه ضجيج السنوات ولا عبثية الأقدار، كيف لنا أن نمطّ الأعمار بأقل الخسائر وهي تُمَزَقُ بين كل هذه التقاطعات، تقاطعات السياسة وتقلب الزمان وقهر الأمكنة؟

نحتاج دائماً لفسحةِ نسندُ على عتبتها كل التساؤلات المؤجلة، نحتاج إلى ربوةِ نصعد إليها كلما حاصرتنا الأيام وأرهقنا السير؛ لنخلع عن كاهلنا بعض النصب؛ لهذا أيها الغريب -يا من تجد أن الكُتب، والخيال، والقراءة والكتابة عبثاً- لهذا أجد تلك القائمة المقدسة بدوري سماءً ثامنة آوي إليها؛ لتأوي إليّ الحيوات وترافقني الزرقة في عالم جِدُّ ضيق، ضيق كسم الخياط لو تعلم؟ تحاصرنا أحاديث السياسة كل صباح؛ فتلوث رائحة القهوة الصباحية، وثمة سلسلة طويلة من العذابات البشرية تلاحق إنساننا وتنغص عليه الحياة.. نحتاج أن نتقيؤها كتابة ونعيد هذيانها قراءة علنا نجدها سرابا متخيلاً وحسب.

الصغيرة بداخلي تصدق.. من الخير أنها لا عقلانية في هذ الجانب.

عندما تدغدغ حكايات الفانتازيا أذنيّ تبتهج الصغيرة بداخلي، تجد متنفساً ولوناً آخر للأشياء، لا أريدها أن تكبر، لا أشتهي لها العقلانية الصادمة وحقيقة الأفكار مرة المذاق، لا بأس أن أتركها تنعم بحلاوة الأساطير، لا بأس من أن أعود كلما ضَيق الواقع عليّ الخناق؛ لأجدها كما عهدتها صغيرة مأخوذة دائماً بدهشة التفاصيل والحكايات البسيطة.

أمي لا تخاف العمر

مُدهِشة أمي عندما ترمي على أذنيك رقماً عشرياً كبيراً بجرأة مذيلة به إحدى حكاياتها... أمي امرأة لا يخيفها العمر ولا تؤمن بأن الأرقام الكبيرة تعني تقلص المسافة بينك وبين الموت، وربما لا ترى للموت أي هيبة أو جلال!

أرى العمر يمضي بطريقة أكثر غواية من أن نحسبه، أكثر جُرأة من أن نجرؤ على تعداد اقترافاته، تخيفني الأرقام الأحادية البسيطة، أجدها تقهرني؛ حيثُ تؤكد لي دائماً بأن ساعتي الرملية تفرغ على عَجَل.

أبحث في وجه أمي عن السنوات الطويلة، أرسمني وجه أمي وبعدد عشري، حسناً لا يخيفني الموت ولكن الرقم العشري يخيفني، يخيفني وبحق جداً!

بالكاد أضع رقماً أحاديًّا بسيطاً عندما أعيد ترتيب رفوف الذاكرة وأُعظِمُ الرقم إذ ما زالت ذاكرتي متقدة بالموقف، رائحة الحدث لصق أنفي، يديّ ما زالت تشعر بملمس الأشياء وقلبي ما فتأ مكتنز بكل اجترارات الحدث/الأصوات والصور والمشاعر؛ فكيف للتاريخ أن يبخسنا حقنا ويزيد في القسط؟

إنه لأمر صادمُ ومخيف. مربكة هي الحقيقة: التاريخ عادل ونحن المطففون؟!

تلهينا الدُّنيا ونلتهي بالعمر، وحده التأريخ من يظل على العهد لا يخون، يحسب الثواني والدقائق بلا هوادة أو تقصير!

وطن جميل حد الإرباك

ثمَّة شيء لم أصل إلى مسماه بعد يختلج في كلما ذكرت الوطن، ما زلتُ حيرى... هل هو وطناً كوننا أحببناه؟ أم نحبه كونه وطناً؟

لثيمة الوطن كينونة مبهمة في تفاصيلها الدقيقة، غريب ذلك العشق المزمن والحُبْ السرمدي للمكان / الرائحة / التفاصيل الساذجة، كفراشة تربك دواخلنا هو الوطن!

أحاول أن أستوعب مشهدية هذا الحُبْ علني أصل إلى إطار الصورة وأفهم مصدر ذلك الإرباك وتهدأ روحي.

لم أصل بعد، رغم زحمة التساؤلات...

أجدني في كل زاوية من الأرض، أجدني بين الغرابيب السود على سفح جبل، أجدني زهرة بالكاد تطل برأسها الصغير على العالم مزاحمة الحشائش، أجدني غيمة /سماءً/ اسماً/ قصة/ حدثاً عابراً / نخلة يلون وهج الشارع الأسفلتي لوحتها بلون جهنم.

وتيقنتُ أخيراً بأن الوطن هو الوطن.

الغد

وتلك قصة أخرى لم يفك أسرها بعد، سنبقى في انتظار انفراجها على مهل، وستأتي يوماً لتولد أخرى. أخرى تُبقي جذوة الانتظار فينا مشتعلة. وماذا غير الانتظار بيدنا؟ لنكون أقل جنوناً متشبثين بحياة ما لغد ما نرجوه أن يحمل لوناً نرغب به بشده؛ لأننا نتوهم بأنه سيكون الأفضل والأجمل. ربما يكون من يدري؟

أبي

عشرة أعوام مضت وصغيرتك تراوغ الحزن بكتابة باهته.

أتراك القصيدة الممتنعة التي دونها سفك دمي؟!

حسبتني أنساك حينا؛ فوجدت روحك ساخنة بداخلي تدثر الروح والقلب.

تعليق عبر الفيس بوك