منتخب الوطن ينادي.. فهل من مجيب؟


أحمد السلماني

يُحكى في الأثر أنَّ امرأتين ذهبتا إلى القاضي للفصل بينهما، بعد أن ادعت كل منهما أن هذا الطفل هو ولدها، القاضي -ولتبيان الحقيقة- أمر بأن يقطع الطفل بالسيف إلى شطرين لتأخذ كل منهما نصيبها؛ فصاحت الأولى "افعل"، ولكن الثانية قالت: "بل اتركه لها دعه يعيش"، حينها قضى بإعادة الطفل لأمه.

الثامن من أكتوبر الحالي يوم مفصلي في تاريخ الكرة العمانية، وتحديدا لمنتخبنا الوطني الأول لكرة القدم، عندما يُواجه المنتخب الإيراني صاحب التصنيف الأول آسيويا ضمن التصفيات المزدوجة المؤهلة لنهائيات كأس العالم بروسيا 2018 والنهائيات الآسيوية بأبوظبي 2019م، وهي المواجهة الأقوى بين كبار المجموعة، فضلا عن أنَّها لفك الارتباط على الصدارة بعد أن تساوت 3 منتخبات في رصيد النقاط؛ وهي: منتخبنا وإيران والمفاجأة جوام.

ولأن المنتخب الإيراني القوي، والمباراة بالأرض العمانية، ولها ما بعدها؛ فمن الطبيعي جدا أن تشحذ أسنة الأقلام وأن ترص الصفوف وأن تقرع الطبول وأن نشهد ذلك اليوم أمواج تسونامي حمراء زاحفة باتجاه القلعة الحمراء "مجمع السلطان قابوس" للوقوف خلف الأحمر. ومما يُؤسف له خروج من يُنادي بوسائل التواصل الاجتماعي بعدم الذهاب للاستاد وتشجيع المنتخب؛ لأنه في نظرهم إنما هو منتخب اتحاد الكرة أو مديره الفني لوجوين المغضوب عليه، وهنا الجماهير العمانية قاطبة هي القاضي، ولها أن تشطر المنتخب إلى نصفين، أو أن تتركه يعيش، ولها الفصل الحكم في ذلك؛ فأيهما تختار أيها الجمهور الغالي؟ إنه الوطن من ينادي يا سادة يا كرام، وليس اتحاد الكرة أو لوجوين؛ فهؤلاء راحلون ويبقى وطن كبير بشعاره "الخنجر العمانية والسيفان".

مقومات كبيرة تحفز الجماهير للذهاب ومؤازرة الأحمر والوقوف معه؛ أولها على الإطلاق: أهمية اللقاء وقوته؛ كون الأحمر يلاقي المنتخب الإيراني الذي هو الآخر يدرك من هو الأحمر، ولم يغب عن ذاكرة القائمين عليه الدرس والعرض الكبير الذي قدمه علي الحبسي ورفاقه بالنهائيات الآسيوية العام 2004، ونحن -كما كثيرين- بتنا ندرك أن منتخبنا دائما ما يرتقي بمستواه عندما يلاقي الكبار، وأحيانا يذهب بعيدا بأن يكون الطرف الأفضل، وعلى الخصوم البحث عن منقذ من تسونامي الهجوم العماني.

عامل آخر مهم وهو سعة استاد مجمع السلطان قابوس وطاقته الاستيعابية الجيدة؛ وبالتالي أريحية متابعة اللقاء، فضلا عن الطقس الذي بدأ بالاعتدال، كما أنَّ اليوم التالي هو يوم إجازة أصلا، إضافة إلى الحوافز التشجيعية التي أطلقها الاتحاد العماني لكرة القدم وقدمتها بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص كالسحب على سيارة وتذاكر سفر جوي ووجبة مجانية لكل تذكرة مُستقطعة، كما أن الشباب أو الأطفال ما دون الـ12 عاما يدخلون بالمجان. وفي الأصل، فإن قيمة التذكرة هي ريالان فقط لا غير، إذا ما علمنا أنَّ جماهير منتخب جوام وفي مباراة منتخبنا دفع كل واحد منهم 20 دولارا أمريكيا لمن يرغب بالوقوف وبدون كرسي، في حين دفع كل من يرغب بالجلوس 60 دولارا للشخص، ومع ذلك فقد حضرت جماهير كبيرة وآزرت منتخبها.

ولكن -وقبل كل شيء- ولأنه نداء الوطن الذي ننعم فيه جميعا بالأمن والرخاء، ولأنه البيئة الاستثمارية والمناخ الاقتصادي الاستثنائي على مستوى المنطقة على أقل تقدير، وما يوفره من مقومات اقتصادية وبنية أساسية وموارد الطبيعية وضعت بتصرُّف المستثمر العماني والأجنبي، فإنه قد آن الآوان لأن يرد القطاع الخاص والمؤسسات الاقتصادية جزءًا ولو يسيرا من الدَّين، بأن يُبادر هذا القطاع بشراء تذاكر المباراة ومنحها للجمهور ليكون هو السند للمنتخب، وكل ذلك يصبُّ في خانة الحب والإخلاص للوطن ولقائده المفدى -حفظه الله ورعاه.

ونحن بصدق أصبحنا مُعتادين على مؤسسات بعينها هي فقط من تتصدَّر دائما مثل هذه المبادرات والآخرين، فإن مبدأ "الأخذ والعطاء" غير موجود في قاموسهم حتى المشاركة المجتمعية لا يعلمون عنها شيئا، فلا هَمَّ لهم سوى ثرواتهم ونمو أرصدتهم لتتزين صفحات الجرائد بالكشوفات الحسابية الحبلى بأصفار تجاوزت الملايين، واليوم نتوجه لهم بالنداء بأن يبادروا إلى دعم الرياضة وكرة القدم ومنتخب الوطن الذي هو المرآة العاكسة لازدهار البلاد ورخائها، ولَكَم أتمنى أن تصل رسالة الإعلام الرياضي لكل مؤسسات القطاع الخاص -والكبيرة منه تحديدا- للوقوف خلف المنتخب، بل وتجاوز ذلك بدعم الرياضة؛ فالوطن أعطى ولم يبخل، وآن الأوان لرد الدَّين فهل من مبادر؟ لننتظر ونرى.

تعليق عبر الفيس بوك