الإمام محمد عبده .. عذراً

سيف بن زاهر العبري

أذكر في كل مرة ما قاله الإمام محمد عبده بعد عودته من زيارة قام بها إلى أوروبا وحكمته المأثورة "وجدت في أوروبا إسلاماً ولم أجد مُسلمين، ووجدت في هذا الشرق مسلمين ولا أجد إسلاماً"، وها أنا اليوم أسترجع في ذاكرتي تلك الحكمة المأثورة مرة أخرى، بعد ما وصل إليه حال الأمة الإسلامية من تشتت وضياع، من تناحر وصراع، وخراب ودمار، بين احتراب وتطاحن. فماذا نقول للإمام محمد عبده عن حال المُسلمين اليوم، وعن عدم استفادة معظم المسلمين في أوروبا من الإسلام، بل إنهم يعتبرون إسلام أوروبا كفرًا ويريدون أن يجعلوا سكان أوروبا مسلمين؟. أمة تعيش مرحلة بعيدة عن معاني الإسلام الحنيف، برغم أنّ عدد المسلمين في بلاد الإسلام مئات الملايين، دين الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة والوسطية ونبذ الغلو والحقد والتطرف، الدين الذي يحمل معاني نبيلة وقيم سامية، هذه الأمة التي تتفاخر بخاتم الأنبياء والرسل، الصادق الأمين، لا يفتأ المنتسبون إلى هذا الدين أن يسلكوا سبلاً ما أنزل الله بها من سلطان، جعلوا الأمم الأخرى تحمل الحقد والكراهية لكل ما يمت إلى دين الإسلام، بل وتصف المسلمين بكل ما له ارتباط بالعنف والقتل والخراب والدمار، والإسلام من ذلك براء. مسلمون ينتمون إلى الإسلام وهم بعيدون كل البعد عن تعاليم دينهم الحنيف، حيث استشرى بينهم ما لم يتصوره العقل البشري من تصرفات دخيلة على دين الله القويم من تحريم وتحليل، وظهور مفتين ومستفتين يظهرون الحق والباطل كيفما يرونه مناسبًا، وكتبة مأجورين ومستأجرين يتحدثون بلغتهم عمّا تريده جهات لها أجندة داخلية ومصالح خارجية، ومرتزقة يُحاربون باسم الدين وكأنّ هذا الدين لا يملك أحد الحق في اتباعه إلا من كان له يد مُلطخة بالدماء، وهتك لأعراض الأبرياء، وانتهاك لحقوق الآمنين في كل مكان. أُمة تتحدث عن دين قويم يحافظ على كرامة الإنسان أياً كانت ديانته، فما بالنا إذا كانت كرامة الإنسان اليوم مهددة بحكم انتماء مذهبي وعقائدي، لو أنّ أئمة الأمة وعلماءها السابقين خرجوا من قبورهم لأفتوا بحرمة سفك دم المسلم وغيره دون تمييز، ولو أنّ هؤلاء الأئمة والعلماء كانوا بين ظهرانينا الآن لاستبرأوا مما يستباح بحق المسلمين من قتل وهتك ودمار. هذه الأمة التي تؤمن بالتوحيد انكبت اليوم على التمذهب الطائفي البغيض، وأسرفت في دعوة شعوبها للقتال باسم الجهاد في بلاد بها مسلمين ولا إسلام، لتحصد شعوبها نتائج وخيمة من التشرد واللجوء إلى دول وصفها الإمام محمد عبده ببلاد بها إسلام ولا مسلمين. نقف معًا نتأمل واقع الأمة اليوم، نتحسر ونتألم لما آل إليه حال أمة التوحيد من فرقة وتشتت وضياع، ولا نريد أن نبالغ في صدق ما قيل عن ابتعاد المسلمين عن دينهم القويم إلى ما يتبعه أتباع ديانات أخرى أقرب ما يكون عملهم متصفاً بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فالتقرير الصادر من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، وقرأه ملايين المسلمين، وزادوه تأويلاً ونشراً وتعقيبًا، يشير إلى حال المسلمين اليوم من عدم تطبيق مبادئ الدين الحنيف، ويظهر أسماء دول تطبق تعاليم الإسلام وهي ليست بدول إسلامية، حيث أظهر التقرير أن إيرلندا تتربع كأول دولة في تطبيق الإسلام، تليها الدنمارك، ثم لوكسمبورغ، فالسويد، فالنرويج، بينما الكثير من الدول التي تعتبر نفسها دولاً إسلامية لا تتبع في واقع الأمر مبادئ الإسلام، فماذا عسانا أن نقول للإمام محمد عبده ونحن نتذكر حكمته المأثورة، فهل علينا أن نذهب إلى أوروبا لنكون مسلمين حقًا، أم علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا في حمل رسالة الإسلام، دين الرحمة والإحسان، دين تشرّف بخاتم الأنبياء والمرسلين إلى النّاس أجمعين.

wadiasahtan@hotmail.com

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك