أنيميا الـ "بي دي إف"

ابتهاج المسكرية

كل شيء في هذه المدينة يود قتل دماغك وغسله وشطفه وجعله محض "طنجرة" في مطبخ الكون.. ولن يسفعك استفحال رغبتك في البقاء حيَّا يقظاً نبيهاً فكل الطرق تفضي إلى سدود.. والسدود فولاذية صلبة ونحن لا علاقات لنا بالرجل العنكبوت "سبايدرمان"..

وكلما قلنا إنّ الغد أفضل وأعددنا له رفوف دماغنا (آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا) يأتي كسيحاً مشلولاً يلفظ أنفاسه ولا طاقة لنا بتنفس اصطناعي لجسد لا يعول عليه..

يقول جلال عامر "الكتب في أرصفة مظلمة والأحذية في فتارين مضيئة" ليت جلال حيًّا يرزق لأرسل له أسأله عن قوله في مدن لا كتب بها حتى لو مشردة على الأزقة!! ..

الحال يزداد ترديًا يومًا بعد يوم،ولا مدن في بلدي تتفوق على مدن.. فحتى العاصمة مسقطمطعمة ضد الكتب.. ونحن الذين ما أن قرأنا عن كتاب مصادفةً حتى نحاول التفوق على مهارات شارلوك هولمز في التقصي عنه؛ وبعد أن يطبق اليأس على صدر الأمل نجري اتصالاتنا مع انتربول الأصدقاء لعل أحدهم شمّ رائحة حبره أو سمع نبض لغته فيأتي الرد متهكمًا "ضعيه في القائمة لأنّك لن تجديه"..

سنوياً ولمدة أحد عشر شهراً ونحن نعد قائمة معرض الكتاب.. نطوف بين أكشاك المعرض وكل منّا قرابة أنفه خرطوم فيل في هيئة قائمة.. نجوب الردهات جيئة وذهابًا.. مرارًا وتكرارًا حتى حفظ اسمنا وتوطدت علاقتنا بباعة دور النشر.. وبعد كل هذا نعود من المعرض أحيانًا بخفي حنين أو بغنائم وأسلاب بسيطة لا تشي بحرب الصبر الضارية ولا مفتاح للفرج سوى الأهل والأصدقاء من ملة ابن بطوطة.. فبعد أن تودع أحدهم يأتي ذلك الجزء الذي يجعلك تُسيل عرق الحرج وأنت تدس بين يديه قائمتك الطويلة المقطعة بمهارة جزار إلى أن تبدو طرية صغيرة هشة كي تتوافق مع خطة رحلته وشنطة سفره..

فنصبح حسادًا صغارًا بالفطرة فنخفي كتبنا كما ثرواتنا الصغيرة تجنبًا لفحولة الفضول وآفات المعرفة التي لن ترضى سوى بسلبك ذلك الكتاب الشهي، ولأنّ أيدينا مبسوطة كل البسط فالأفضل إخفاؤها فما جاء بعرق القلب لا يذهب سوى بوريده ..

لا أدري لما لا يمتلك أحد التجار جرأة المقامرة على روليت الكتب في كازينو الثقافة.. لا شجاعة سوى من تجار الصف الأخير -وما أندرهم- فتأتي الكتب محدودة بنسخ بسيطة بثمن يشفط نخاع العظم.. لكن لا بأس فالحاجة وقحة والكتب المجففة على هيئة "pdf" تقتل الشهية..

e.k.a_00@Hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك