الشهادة للجميع والعلم لمن أراده



عيسى بن علي الرواحي

لقاء جميل اتّسم بوضوح الفكرة وسُّمو الهدف جمع مجموعة من الزملاء الأعزاء في طرح رائع وحوار مُمتع حول أهمية مواصلة الشباب للدراسات العليا فهم عماد الوطن.

بعد افتتاح اللقاء أوضح أحد الأساتذة الأجلاء أن مواصلة الدراسات العليا والسعي الدائم لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات أمر لابد أن يعيه شبابنا جيدًا، وأن يسعوا لأجله جادين مجتهدين مذللين كل الصعاب والعقبات؛ فالوطن بحاجة إلى أبنائه في أن يتولوا بشكل أكبر وأوسع في قيادة المؤسسات التعليمية العليا والقيام بأمانة التدريس في مختلف تخصصاتها، وليس من أحد أحرص على الوطن من أبنائه، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك ما لميعِ أبناؤه أهمية الدراسة ومواصلة السير في نيل الشهادات التي تؤهلهم لأن يكونوا في المستويات المرموقة بهم، خاصة وأننا في زمن لا يُعترف فيه إلا بحامل الشهادة، ونحن في وقت لم يعد لشهادة البكالوريوس تلك المكانة المرموقة التي كانت تتمتع بها قبل سنوات.

أجمع الحاضرون بقناعتهم التامة بأهمية أن يواصل الإنسان مسيرته التعليمية، وأن تستمر معه ما بقي على قيد الحياة إذ لا يعرف التعليم درجة يقف عندها المُتعلم، وأجمعوا كذلك على رغبتهم في أن يحققوا ذلك بيد أن هناك عقبات ومثبطات تقف حائلاً دون تحقيق هذا الهدف المنشود.

ويتراءى للمرء أن هناك عوائق وعقبات كثيرة أمام مواصلة دراساته العليا أبرزها الوقت والمال والالتزامات الأسرية وكثرة أعباء الحياة ومشاغلها، ولعل العائق النفسي الذي يهول تلك العوائق التي قد تكون عوائق فعلاً سهلة التغلب عليها وقد لا تكون، وغياب الدافع الحقيقي والرغبة الجادة للدراسة هي أهم الأسباب التي تحول بين المرء ومواصلة دراساته، فمتى ما عزم الإنسان على تحقيق إنجاز ما وشدّ همته في ذلك، فإنّ جميع الصعوبات تتذلل، وكل العوائق تتلاشى ما دامت أكبر عثرة قد انزاحت وهي النفس.
ففي مسألة الوقت لا تكمن معاناة كثير من الناس في عدم وجود الوقت الكافي لإنجاز مهامهم وأعمالهم، وإنما يكمن الخلل في حسن تنظيمه وفن إدارته، فالأوقات التي يضيعها أغلب الناس اليوم أكثر من الأوقات التي يستغلونها، وحول فن إدارة الوقت فإنّ هناك كتابا رائعا بعنوان (إدارة الوقت) لإبراهيم الفقي أرشدنا به أحد الحضورإلى أهمية قراءته.

وعندما يتمكن الإنسان من إدارة وقته بالطريقة المثلى، ويحسن استغلاله جيدًا فإنّه يستطيع أن يؤدي جميع الحقوق على أكمل وجه دون أن يقصر في أي جانب من الجوانب؛ فيعطي العمل حقه والدراسة حقها والأسرة حقها وتربية الأبناء حقها وهكذا سائر شؤون حياته الدينية والأسرية والاجتماعية.

ومما أعجبني في هذا الشأن ما ذكره أحد الأساتذة من واقع تجربة وخبرة ودراية قوله بأن مواصلة الدراسة تلزمك القراءة والبحث والاطلاع، مما تكسبك العلم والمعرفة وسعة الإدراك، وكيف لا يكون ذلك وأنت تغوصفي بحار العلم بين تلك الكتب والمكتبات، كما أنّ انهماكك بالقراءة والبحث في شتى العلوم والمعارف؛ إنما هو تربية صامتة لأبنائك على حب العلم والقراءة والاطلاع، فالأولاد أكثر ما يتعلمون بالقدوة، فعندما يشاهدون أباهم بين كتاب وكتاب فإنّه بلا ريب تتولد لديهم رغبة ومحبة في الاقتداء بأبيهم في هذا الشأن، وشتان بين من يُقلب الكتب والبحوث أمام أبنائه، وبين من يقلب القنوات بحثاً عن أجمل المباريات.

وفيما يتعلق بالجانب المالي فنظراً لتحسن رواتب المواطنين خلال السنوات الماضية بشكل أفضل، ولكون نيل الشهادة داخل البلد لا تحتاج ذلك المبلغ الذي يمكن أن نقول بأنّه عائق كبير، ولأننا قد ننفق أموالاً بشكل مستمر في أمور تعتبر من كماليات الحياة، إضافة إلى الفرص التي تتاح بين الفترة والأخرى للمنح الدراسية العليا، فإنّ الجانب المالي لا يعتبر عائقاً يقف أمام المرء في مواصلة دراسته إلا في حدود ضيقة جدًا وحالات استثنائية قليلة. وقد أوضح أحد الحاضرين واستشهد بعدة نماذج بأن أبناء بعض الدول الفقيرة يضربون أمثلة رائعة في التضحية من أجل العلم ومواصلة الدراسات العليا تصل أحياناً أن يبيع الإنسان بعض أملاكه الأساسية من أجل أن يحصل على شهادة عليا، أو من أجل أن يعلم أولاده.

أمر آخر لا يمكن تغافله وهو التثبيط الذي قد يواجهه بعض الشباب من زملائهم والبيئة المحيطة بهم في أن مواصلة الدراسة لا تحقق مكسبًا ماليًا لصاحبها؛ فأغلب الوظائف لا علاقة للشهادة فيها بالرقي في السلم الوظيفي، فكم من صاحب شهادة عليا لا يزال في موقعه الوظيفي قبل الحصول عليها، وهنا إن سلمنا بهذا القول فإنّ المرء عليه ألا تكون لديه هذه النظرة الضيقة المحدودة وهو يطلب العلم، كما أنّ واقع الحال يومًا بعد يوم وتغيرات الأوضاع ستثبت عاجلاً أم آجلاً أن أصحاب الشهادات العليا هم الأكثر قبولاً والأوفر حظاً والأجدر استحقاقاً في أن يكونوا من ذوي القيادة والمسؤولية في هذا الوطن العزيز.

بقي أن نُذكر بأمر في غاية الأهمية بأنّ طلب العلم من أجلّ العبادات وأعظمها، وعلى طالب العلم وهو يواصل مشواره التعليمي أن يستحضر دائما النية الخالصة لله وهو ينهل شتى العلوم والمعارف، فإن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، مع أهمية أن نفرق بين طلب الشهادة وطلب العلم، فالشهادة متاحة للجميع، والعلم لمن أراده.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك