الغَزَل العالمي مابين النفط التقليدي والصخري

 

 

د. سعد بساطة

ثمَّة أسئلة تُطرح حول مستقبل الطاقة؛ أهمها دور الثورة الجارية على صعيد الإنتاج المرتفع للنفط والغاز الصخريين (البترول الصخري) في العالم. والسؤال الأبرز: هل سيستطيع العالم تحقيق "الاستقلال في الطاقة"؟ وهو شعار تطرحه منذ النصف الثاني من القرن العشرين، والمقصود به فك الاعتماد على النفط المستورد (خاصة العربي)؟ وهناك أيضاً سؤال عن أهمية النفوط "التقليدية"، في هذا العالم الجديد حيث تنتج الشركات كميات ضخمة من البترول الصخري تنافس النفط والغاز التقليديين، فمتى سيحدث تغيير جذري في صناعة النفط؟ وما هي أهميتهبالنسبة للأسعار؟

بدايةيجب توضيح ماهو النفط الصخري؟ وبمَ يختلف عن زميله التقليدي! وأي دول العالم تشتهر بإنتاجه؟

يعتقد الباحثون بمجالالنفط أن العالم وصلللنقطة التي انخفضت فيها الكمية المتاحة من النفط التقليدي بالعالم، وهذا يسمى ذروة النفط، وكونه لايعتبر موردًا متجددًا، فقد بدأ البحث بشكل جدي عن مصادر غير تقليدية من النفط الخام، وقد تبيَّن وجوداحتياطي واعد لم يتم استغلاله بعد، وهو: النفط الصخري، الموجود بصورة صلبة داخل الصخور.

... إنَّالظروف المؤدية لتكون البترول السائل في مناطق من عالمنا، لم تكن متوافرةبمناطق أخرى مما أدى لتشكل النفط الصخري، الممكن اعتباره مماثلاً للنفط الخام السائل في جميع مراحل تكونه، عدا الجزء الأخير الذي يحوله إلى سائل، لذلك فإن الأمر متروك لعلماء الطاقة حتى يقوموا بإنهاء العملية. وتعتبر عملية استخراج النفط الحجري مشابهة لعملية استخراج النفط السائل، ففي عملية الاستخراج يصعد النفط إلى السطح نتيجة لضغط الغازات، وبعد أن يتم التخفيف من هذا الضغط، تبدأ المراحل النهائية والتي تعتبر أكثر صعوبة في عملية التنقيب، فيتم ضخ المياه، وإدخال الغازات لإعادة ضغط حجرة النفط، لذافاستخراج النفط الخام من الصخور يعتبر أكثر صعوبة، فيجب التنقيب عن الصخر الزيتي بالحفر تحت الأرض،وبعدها إخضاع النفط الصخري للتقطير، وهذه العملية تتضمن تعريض الصخر المستخرج إلى عملية انحلال حراري، يبدأ الكيروجين - الوقود الأحفوري داخل الصخور -بالسيلان وينفصل عن الصخر، وعندها يمكن تكرير تلك المادة الناتجة الشبيهة بالنفط لإنتاج النفط الخام الاصطناعي.

وتكمُن المشكلة في أنَّ هذا يضيف خطوتين إضافيتين لعملية الاستخراج التقليدية من تقطير وتكرير؛ إضافة لتحديات البيئية، حيث إنتاج برميل واحد من النفط الصخري السائل يتطلب استخدام برميلي ماء، والمياه الناتجة عن تكرير النفط الصخري ستزيد من ملوحة المحيطات؛ إضافة لمشكلة الصخور، حيث إن كل برميل من النفط الصخري ينتج عنه حوالي الطن من الصخور.

وبسبب العقبات تلك، لم يتم البدء بإنتاج النفط الصخري تجاريًا على نطاق واسع، فهو لايزال أكثر تكلفة من الوقود الأحفوري التقليدي، وأكثر ضررًا بالبيئة، ولكن مع انخفاض موارد النفط الخام وارتفاع سعره، سيصبح النفط الصخري الهدف القادم؛ ففي الولايات المتحدة حصلت ثورة ضخمة بإنتاجه (بولاية تكساس الغنية به) ويبدو أنها ستتخطى السعودية لتصبح أكبر منتج نفط في العالم عام 2017 بفضله.

وقد اجتمعت منظمة "أوبك"، مؤخراً، وعبَّرت عن قلقها من ارتفاع انتاج النفط الصخري الذي يهدد مستقبل الطلب على النفط الخام.

وهنالك أيضاً غاز الأردواز(غاز الشيست-الغاز الصخري) وهو غاز طبيعي ينشأ من أحجار الإردواز. ويجد الغاز محبوسا بين طبقات تلك الأحجار الطبقية، وتستخدم لاستخراجه تقنية عويصة بمقارنتها بتقنية استخراج الغاز الطبيعي الذي يكون محبوسا في فجوات تحت الأرض، وأيضاً مع ارتفاع سعر النفط والغاز الطبيعي سيصبح استخراج غاز حجر الأردواز في المتناول ومجديا؛ وتوجد طبقات أحجار الأردواز في مناطق عديدة وهي طبقية مصمتة أي لا تسمح بنفاذ الغاز منها. وتوجد تلك الطبقات بكميات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكيةوكندافي أعماق نحو 1000 متر تحت الأرض. وينتقد العلماء الاستهلاك المتزايد للمياه لاستخلاص الغاز ويحذرون من تلوث المياه الجوفية بما يستخدم من كيماويات في عملية الاستخراج. كما وجد غاز البنزولبالقرب من أبار استخراجه (وهو من المواد المتسببة للسرطان).

واختلفتْ آراء الخبراء؛ فهناك من قال إنَّ صناعة البترول الصخري ستبقى محصورة في الولايات المتحدة لعدم توافر شروطها الجيولوجية في بلدان أخرى، وثمة من رحب بإنتاج البترول الصخري ووجد فيه "منقذاً" لأنه سيوفر الوقود المحلي بأسعار تنافسية للصناعات الثقيلة التي هاجرت إلى حيث التكاليف أقل.وتخلص المدرسة المتفائلة إلى أن البترول الصخري سينعش الاقتصاد العالمي.

هناك متغيران أساسيان متوقعان؛ أولاً: ستعتمد الولايات المتحدة في صورة كبيرة على النفط الخام والغاز الطبيعي المحلي، ما يعني تقليص الصادرات إليها. ثانياً: يتوقع حصول تغييرات كبيرة في مجالات وأسواق النفط العالمية، علماً بأن هذه التحولات في أسواق النفط العالمية ليست جديدة، فقد حدثت متغيرات مشابهة عند اكتشاف حقول ألاسكا وبحر الشمال ولدى بدء إعادة التصدير من دول بحر قزوين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولم تشكل هذه التطورات نهاية دور نفط الدول العربية في صناعة النفط العالمية.بل خفضت الأسعار لفترات معينة.

السعودية تقوم بتخفيض أسعار النفط، تتأثر روسيا وإيران سلبًا، ويصرح بعض المسؤولين الأمريكيين بأنَّ السعودية تقدم خدمة العمر للولايات المتحدة، في حين تخسر أيضًا أمريكا الكثير من شركاتها للتنقيب عن النفط الصخري.

نخرج عن التحليل العلمي لبعض الطرف بذات السياق:بعد ارتفاع غير مسبوق بأسعار النفط؛ أعاد الخطيب السيارة الهدية لوالد خطيبته مع رسالة "سيارتك وابنتك يكلفا ني كثيراً، لذا -تبعاً لدخلي- لايمكنني الاحتفاظ بهما سويةً..."!

تحققت أماني الكثير من الصبايا؛ فقد أتاهن فارس الأحلام على حصان أبيض (كونه لايستطيع ملء خزان سيارته بالبنزين بعد ارتفاع سعره)!

أهدى أحدهم زوجته بميلادها زجاجة عطر مرتفع الثمن؛ فتحتها وشمت الرائحة وقالت "كأنه بنزين" أجابها بفخر "ومن أحسن نوع ؛ مرتفع الأوكتان"!

الآن:أسواق النفط في حيرة من أمرها؛ فهنالك زيادة الصادرات النفطية الإيرانية بعد رفع الحصار. وازدياد المضاربات على إمكانية وصول الصادرات النفطية الإيرانية للأسواقبالربع الأول من 2016. ولا تشكل الصادرات الإيرانية التحدي الأكبر والوحيد للأسواق خلال الأشهر المقبلة. فهناك أيضاً المخزون النفطي الأمريكي، الذي ازداد بسبب تحويل شركات النفط الصخري إنتاجها للتخزين بدلاً عن السوق المحلية، تفادياً للبيع إنتاجها في ظل الأسعار المنخفضة.

ويكمُن السبب الرئيسي في انهيار أسعار النفط؛ في: عدم التوازن بين العرض والطلب النفطي العالمي.. فقد أدت زيادة الإمدادات، نتيجة الارتفاع السريع والكبير في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، مقارنة بانخفاض الطلب في دول مستهلكة عدة في الوقت ذاته (الدول الغربية والصين) بسبب تأثير التطورات الاقتصادية والمالية السلبية العالمية. ويذكر ان الصين تستورد النفط من عدة دول أهمها روسيا وانغولا والسعودية وايران والعراق وسلطنة عمان وفنزويلا، والكويت؛ ولكن:هل سيستمر ازدياد الطلب على النفط في الصين خلال عام 2016؟

وفي كندا، حيث ينتج السجيل القاري (النفط الرملي) في ولاية "البرتا"؛ فقد تم تأجيل انتاج 1.2 مليون برميل يومياً منه، ما يشكل نحو 63 في المئة من الطاقة الانتاجية للنفط القاري التي كان مخططاً لها للأعوام 2017-2018. وفي الوقت ذاته، يتوقع تأجيل تطوير طاقة انتاجية اضافية، اذا بقي مستوى الأسعار منخفضاً.

أما في منطقتنا العربية، فتحاول شركة أمريكية استكشاف النفط الصخري في إسرائيل. تأسست 2008 وتحاولالتنقيب في منطقة "بيت شلش"/على بعد 30 كيلومتراً جنوب غربي القدس.

وتعمل في الأردن شركتان نفطيتان لاكتشاف النفط الصخري واستخراجه، وهما تستعملان تقنيات مختلفة في استخراج النفط الصخري.؛ وتختلف هذه التقنية عن تلك المستعملة في الولايات المتحدة التي تعتمد على ضخ المياه والطين والكيماويات. وهذا الأمر مهم جداً لبلد مثل الأردن الذي يعاني من شح المياه.

وفي الجزائر أيضاً بولاية غرداية، تتواصل عمليات التنقيب عن الغاز الصخري، ولكن يتظاهر السكان المحليين هناك ضد تطوير الحقول البترولية في مناطقهم خشية تأثيرها على المياه والصحة والزراعة. وتدل الدراسات الأولية إلى أن الجزائر من الدول الموعودة باحتياطات ضخمة من الغاز الصخري، خصوصاً وأن احتياطاتها من الغاز في تناقص تدريجي، ما يزيد أهمية اكتشاف حقول جديدة. وأشارت دراسة لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن الجزائر هي من بين أهم 10 دول في العالم باحتياطاتها من الغاز الصخري.

ننتقل للأرقام.. فبالنسبة للغاز الصخري؛تقعالولايات المتحدة تقع في المرتبة الأولى عالمياً نحو 1161 تريليون قدم مكعبة؛ بعدها الصين 1115 تريليون قدم مكعبة، تليها الأرجنتين باحتياط 802 تريليون قدم مكعبة، وتقع الجزائر في المرتبة الرابعة باحتياط 707 تريليونات قدم مكعبة. والدول الأخرى ضمن قائمة العشرة، ووفق حجم الاحتياطات تشمل كندا والمكسيك واستراليا وجنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل.

أما من حيث احتياطات النفط الصخري القابلة للاستخراج وفق التقانات الحالية، فتحتل روسيا المرتبة الأولى باحتياط بنحو 75 بليون برميل. وتصنف الولايات المتحدة في المرتبة الثانية باحتياط نحو 48 بليون برميل. ثم الصين بنحو 32 بليون برميل، فالأرجنتين بنحو 27 بليون برميل، ثم ليبيا بنحو 28 بليون برميل، ثم استراليا بنحو 18 بليون برميل. وتشمل قائمة العشرة فنزويلا وباكستان وكندا. في حين قررت فرنسا منع استغلال البترول الصخري في أراضيهالأسباب بيئية.

ختاماً.. دعونا لاننسى في هذه العجالة منافسة الطاقات البديلة: الطاقة الشمسية؛ والطاقة النووية؛ والطاقة المائية، وأخيراً طاقة الرياح.. هل هذه كلها أمر واقع، أم مجرد هشيم تذروه الرياح؟!

sadbsata@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك