"في الشعر الشعبي العماني" يؤكد ضرورة التوثيق العلمي للموروث حفاظا على الهوية

مسقط - العُمانيَّة

يُشكِّل الشعر الشعبي في السلطنة واحدًا من الروافد المهمة للحركة الشعرية والأدبية؛ مما يُعطي المشهد الثقافي ثراءً وتنوعًا، يجتذب الأقلام البحثية لعقد قراءات ومقاربات فكرية ونقدية متعمقة سعيًا لفهمه والوقوف عند أبرز ملامحه، وأجلى صوره. ومن بين المقاربات النقدية التي أجريت على التجربة الشعرية الشعبية في السلطنة، الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي في سبتمبر 2003. وصدرت الندوة في كتاب مستقل لاحقًا في 2004م، وأعاد المنتدى طباعة الكتاب بعنوان "في الشعر الشعبي العماني"، واشتمل على 4 أوراق عمل؛ هي: "فنون الشعر الشعبي في سلطنة عمان" للباحث والشاعر محمد بن حمد المسروري، و"الشعر الشعبي: بناؤه وسماته وأساليب غنائه.. دراسة ثلاثة نماذج من الشعر" للدكتورة حصة سيد زيد الرفاعي، و"الإيقاع في الشعر الشعبي العماني" وهي قراءة تطبيقية في نصوص حديثة للباحث والشاعر العماني مسعود بن محمد الحمداني، وأخيرا "مفاهيم التحديث في الشعر الشعبي" للباحث نايف عبدالرحمن العتيبي.

ومن القضايا التي يُؤكد عليها الإصدار: أهمية توثيق الموروث الشعبي عامة والشعر الشعبي خاصة توثيقا علميا، وفي الوقت ذاته التأكيد على ضرورة التلاقي والتعارف بين الباحثين والدارسين في هذا الميدان، وإعادة قراءة هذا الموروث وصياغته بما يتماشى ومتطلبات عصرناالراهن والمستقبلي؛ لتبادل وجهات النظر العلمية والعملية وتعميق الصلات المباشرة فيما بينهم، والتعرف على جهودهم الميدانية المبذولة لدراسة، ورعاية المأثورات الشعبية على العموم والمأثورات الشعرية الشعبية على وجه الخصوص عبر جهود فكرية تؤكِّد على هويتنا القومية والوطنية، وتعرِّف بمفردات موروثنا الفكري العميق.

وتناول الشاعر والباحث محمد بن حمد المسروري -في الورقة الأولى من الكتاب- موضوع "فنون الشعر الشعبي في سلطنة عمان"، وانقسمت ورقته إلى مبحثين؛ الأول: يدرس فنون الشعر التي تمارس في الحواضر. أما المبحث الثاني، فيدرس فنون الشعر التي تمارس في البادية.ويتعدد هذا الشعر سواء في الحواضر أو في الباديةبتعدد أماكنه ومناسباته وطرق أدائه، الجماعي منه والفردي، المنغم أو المصحوب بإيقاع الطبول، ما كان منه عن طريق الإلقاء الفردي أو ذلكالمصحوب بحركات الأجساد وهزِّ السيوف.ومن أبرز فنون الشعر في الحواضر الرزحة بمختلف أنواعها والعازي والهبوت. أما فنون الشعر في البادية، فالطارق وتغرود الإبل والهمبل.

أما القراءة الثانيةللدكتورة حصة سيد زيد الرفاعي، فقد تناولت الشعر الشعبي "بناؤه الفني، سماته البلاغية وأساليب غنائه"، وركزت على ثلاثة فنون؛ هي: الميدان والتغرود والرزحة. ويعد فن "الميدان" واحدًا من الفنون التي تحتاج إلى ذخيرة لغوية وإلمام تام بالتراكيب الفنية،وقدمت الباحثة نماذج على التراكيب التي ترد عليها قصائد فن الميدان الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي والسباعي، والميدان يرتبط بالغناء ويؤدى في مكان متسع وتصاحبه إيقاعات الطبول ورقص يشترك فيه الرجال والنساء.والنموذج الثاني فن "التغرود"ويستخدم هذا الفن لحث الدابة على السير وهو شبيه بالحداء حيث يردده الفرسان على ظهور الخيل، وتتعد أغراض شعر التغرود ومعانيه فهي تارة في مدح الخيل وتارة في الفخر والحماسة.

ومن حيث بناء شعر التغرود، نجد نوعيْن؛ هما: النوع الذي يلتزم فيه الشاعر بإيراد قافية واحدة تجمع بين صدر البيت وعجزه. والنوع الثاني: تتنوع فيه القوافي؛ حيث يُورد الشاعر أولا عددا من الأبيات يستقل كل منها بقافية.ولا يلتزم فن التغرود بإيراد قواف مجنسة ولا يلجأ الشاعر إلى التورية والمعاني الغامضة مثلما يفعل شاعر الميدان.

ويغنى شعر التغرود بدون آلات موسيقية. أما النموذج الثالث الذي درسته الباحثة، فهو فن "الرزحة" بأنواعها المتعددة في سلطنة عمان كالهمبل والقصافي والرزحة المربوعة، فيختلف كل نوع من حيث بناء القصيدة وورود القافية الواحدة من عدمه في كل نوع.وحرصت الباحثة على المقارنة وإيجاد نقاط التشابه والاختلاف بين الفنون التي درستها ومثيلاتها من فنون الشعر الشعبي في الخليج العربي.

أما الورقة الثالثة -التي قدمها الباحث والشاعر مسعود بن محمد الحمداني- فقد تناولت"الإيقاع في الشعر الشعبي.. قراءة تطبيقية في ثلاثة نصوص حديثة"، ويطرح الباحث في مستهل الورقةتمهيدا نظريا للخط الفكري والبحثي الذي سينتهجه في التحليل؛ إذ يتم التمييز بين مختلف الآراء والاتجاهات التي تدرس الايقاع والموسيقى، كما أن الورقة تحاول المزج بين دراسة الإيقاع بعلم اللغة الحديث، وما يتولد عن التركيب النصي من جو نفسي وفضاء دلالي واسع الاتجاهات والمرامي دون العزوف عن الإشارة إلى طرائق التحليل الخليلية في دراسة موسيقى الشعر، وفي القراءة أيضا تقصٍ لدقائق الصور الموسيقية والإيقاعية للشعر الشعبي العماني بناءً وتركيبًا ونسقًا وإيقاعا دلاليًا، كل ذلك من خلال التطبيق على نصوصمن الشعر الشعبي العماني الحديث.

وجاءت القراءة الرابعة بعنوان "مفاهيم التحديث في الشعر الشعبي" للباحث نايف عبدالرحمن العتيبي؛ حيث انطلقتْ الورقة من مدخلين أساسيين لدراسة التحديث في الشعر الشعبي: المدخل الأول تناول الجانب الوظيفي للشعر الشعبي والتصاقه المباشر بالجانب العملي عند الإنسان في البادية أو الحاضرة في السلم أو الحرب في البر أو البحر.أما المدخل الثاني، فتناول الجانب الترفيهي أو التطريبي حيث يتنوع الشعر في هذا الجانب ويتعدد ويتشكل حسب النمط التعبيري والغرض المراد منه، كذلك يرتبط بالمناسبة ويتميز الشعر في هذا الجانب بارتباطه بالموسيقى.

وقسم الباحث أوجه التحديث والتطويرفي دراسته إلى لغة الشعر والشكل المعماري للقصيدة والصور الفنية مع الاستشهاد والمقارنة، فالباحث درس التجديد في محورين أساسيين الاول هو التحديث داخل الإطار التقليدي وهو التجديد المحافظ والمعتدل أي تطوير ما يتعلق بالشكل المعماري للقصيدة التقليدية وتحديث عامية الشعر وتكثيف الصور والمحور الثاني هوتحديث يحمل نزعة تجديدية أكثر مغامرة وإيغالاً في صميم الحداثة الشعرية سواء على صعيد التجديد اللغوي، وتكثيف وكبسلة الصورة الدلالية وذلك ماينتج عنه من غموض ولغزية القصيدة النبطية.

وهناك العديد والعديد من القضايا والاراء التي يشكل هذا الكتاب محورا لانطلاقها ومفتتحا لدراسات مستقبلية في ماضي الشعر الشعبي في عمان وحاضره ومستقبله، وتأملا عميقا في فضاءاته المفتوحة على حقول التحليل وضروب شتى من التأويل والنقد.

تعليق عبر الفيس بوك