الناخب: الاختيار نفعياً أم عقلانياً

د. سيف بن ناصر المعمري

يتساءل البعض اليوم أيهما أكثر أهمية في انتخابات الشورى المرشح أم الناخب؟ وتتباين الإجابات عن هذا السؤال ويرى البعض أنّ المرشح هو محور هذه الانتخابات وبالتالي كانت هناك عملية دقيقة في فرز هؤلاء المرشحين من أجل تحديد أيهم سيكون في القائمة النهائية، ولكن هناك من يرى أنّ الناخب هو الحلقة الأقوى في هذه الانتخابات، فهو من يملك القرار الأخير ليس فقط لتشكيل المجلس ولكن لإحداث تحول كبير في العملية الديمقراطية، ولإرساء وعي لا يمكن أن يخترق من أي جهة كانت، أو تحت ضغط أي عامل سواء كان اقتصاديا أو ثقافيا، إذن نحن في معركة من أجل المستقبل بين (450) مرشحاً، وعدد كبير من الناخبين الذين يجلسون في مسرح يتحرك على منصته هؤلاء المرشحون يحاولون التعرف عليهم حتى يتولد لديهم يقين يُحدد قرارهم ولن يكون القرار سهلاً، فنحن مجتمع لا يزال في مرحلة اكتشاف لخطورة الصندوق الانتخابي في تشكيل المستقبل.

إنّ السلوك الانتخابي يعتبر من الظواهر التي استقطبت اهتمام علماء الاجتماع السياسي، فهو سلوك معقد يتأثر بمجموعة من المتغيرات الاجتماعية والطبقية والسيكولوجية، فهذه المتغيرات تؤثر في صياغة سلوك الناخبين وقرارهم، ولأهمية هذه الظاهرة ظهر علم يسمى "بعلم اجتماع الانتخابات" على يد العالم الفرنسي أندريه سيجفريد (A.Sigeferid)، ولقد ظهرت مجموعة من الاتجاهات التي تحاول تفسير هذا السلوك الانتخابي، وهي الاتجاه البنائي السوسيولوجي والذي يركز على الكشف عن العلاقة بين البناء الفردي والبناء الاجتماعي، والاتجاه الايكولوجي الذي يربط السلوك الانتخابي ببعض السمات الأساسية المميزة للمنطقة الجغرافية، واتجاه علم النفس الاجتماعي الذي يربط التصويت بميول الناخب النفسية، واتجاه الاختيار النفعي الذي حاول تفسير السلوك الانتخابي كمحصلة لمجموعة من حسابات الربح والخسارة التي يقوم بها الفرد بشكل نفعي.

إنّ دراسة سلوك الناخبين العمانيين على قدر كبير من الأهمية لأنّه يُساعد في الكشف على التطورات والتحولات التي يمر بها الوعي الانتخابي، والسؤال اليوم الذي نحتاج إلى طرحه هو هل السلوك الانتخابي لدى الناخب يحكمه الاتجاه النفعي كما يشاع كثيرًا في أوساط الناخبين، حيث يكون الصوت مقابل الحصول على منفعة فردية مباشرة في شكل مبلغ مالي عادة يكون زهيداً لا يتجاوز عشرة ريالات أو عشرين ريالاً كما قال بعض الذين مروا بهذه التجربة، أو يكون على شكل منفعة جماعية غير مباشرة مثل الوعد بتنفيذ عملية تعشيب لمعلب كرة قدم، أو "إقامة عرس جماعي للشباب" كما جرى في بعض الولايات في الآونة الأخيرة، أو أنّ السلوك الانتخابي سيكون محكومًا بالاتجاه الإيكولوجي حيث ينجح المرشحون في تسجيل نجاح في المناطق التي يعيشون فيها أو التي لديهم فيها علاقات عائلية مقارنة بالمناطق التي لا يعيشون فيها، وبالتالي فإنّ هذا الاتجاه بما يساعد في تفسير قلة فرص نجاح مرشحين يعتبرون ساكنين جدد في محافظة مسقط لا تتوافر لهم روابط عائلية، أو قلة فرص نجاح مرشحين مستقرين في ولاية مسقط ولكنهم يترشحون في ولاياتهم الأصيلة مما يجعل الناخبين يعتبرونهم بعيدين عنهم جغرافياً، أو أن الاتجاه البنائي السوسيولوجي سيحكم سلوك الناخبين حيث يقوم النظام الاجتماعي الذي ينتمي إليه الناخب بتضيق مدى قدرته على الاختيار السياسي المتاح في البيئة حيث تضفى الشرعية على البدائل المتفق عليها اجتماعيا من ذوي المكانة الاقتصادية أو الاجتماعية كما هو الحال في محافظة ظفار، وفي ولاية نزوى التي يبدو أنّها تتأثر بهذا النمط لأول مرة.

إننا نشهد تحولات في سلوك الناخبين العمانيين تستحق التتبع والدراسة لأنّها تعبر عن تشكل معتقدات سياسية في مجتمع لا يتوافر لديه أي مؤسسات للتنشئة السياسية إلا تلك التي تأتي من الاحتكاك بالنقاشات الفكرية التي تدور في الفضاءات الإعلامية التقليدية والجديدة، لكن لا توجد تربية سياسية وانتخابية تحاول تعزيز نموذج يمكن تسميته "بنموذج الاختيار العقلاني"، حيث يكون سلوك الناخب هنا محصلة لعملية حسابية تقوم على مبدأي الكلفة والمزايا، حيث يقوم الناخب هنا بدراسة برامج ووعود مختلف المرشحين، ويحاول أن يحصل مقابل صوته على تأثير أمثل على الشروط الملموسة لوجوده، وبالتالي نحن أمام سلوك انتخابي ربما لا يعير اهتماما كبيرا لخطاب الكفاءة الذي يعول عليه الجميع اليوم، لأنّ نظرة الناخبين لفكرة "الصالح العام" تختلف باختلاف درجة المؤثرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تشكل سلوكهم الانتخابي.

تعليق عبر الفيس بوك