المصلحة المشتركة في الهجرة غير الشرعية 1 – 2

عبيدلي العبيدلي

"عشرات الملايين من المهاجرين خلال أربعة قرون جعلوا الولايات المتحدة ما هي عليه اليوم. جاؤوا لبناء حياة جديدة وطرق عيش جديدة في العالم الجديد. عملهم الشاق أفادهم كما أفاد بلدهم الجديد".

هازيا داينر: أستاذة تاريخ في جامعة نيويورك.

قول داينر هذا يكشف بما لا يدعو للشك في أن الهجرة، بغض النظر عن تصنيفها - شرعية كانت أم غير شرعية - تعود بالنفع على الطرفين اللذين تمسهما تلك الهجرة: المهاجرون، والدول التي يهاجرون لها. على صعيد آخر يدحض قول داينر ادعاءات تلك الدول التي لا تكف عن وضع نفسها في موقع الضحية الخاسرة لصالح المهاجرين، رغم اعترافها - تلك الدول - بكل المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون، والأثمان الباهظة التي يدفعونها لعصابات مافيا التهريب، التي غالبا ما يؤسسها، ويتولى إدارتها جماعات من دول المهجر، وأخير لا يكفون عن إخفاء المكاسب التي تحققها اقتصادات تلك الدول بفضل موجات الهجرة المستمرة التي تتدفق عليها من الخارج. بل هم لا يتورعون عن التبجح بأن أوروبا "قد تضطر إلى استخدام القوة العسكرية ضد مهربي اللاجئين في إطار عمليته البحرية (ناف فور ميد) في البحر المتوسط"، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية "نقلا عن مصادر أوروبية في بروكسل".

وقبل تناول الموضوع في إطاره المعاصر، لا بد من الإشارة إلى مقالة خليف الغرايبة، "الهجرة غير الشرعيّة إلى جنة الأحلام (أوروبا ("، الذي يعتبر فيها "الهجرة غير الشرعيّة (السّريّة أو غير القانونيّة) ظاهرة ذات أبعادٍ عالميّةٍ، موجودة في كل الدول المُتقدّمة والمُتخلّفة... نظراً للتّفاوت الكبير في المستويات الاقتصاديّة بين هذه الدّول".

ولا بد من التأكيد هنا، وكما يرد في مقالة بن بوعزيز آسية، المنشورة على موقع "كتابات الإخبارية"، أن "ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست حديثة العهد، بل هي ظاهرة بدأت منذ ستينات القرن الماضي، ولم تكن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تشكل جريمة في الدول الأوروبية في بداية الثلاثينات إلى أواخر الستينات نظرا لحاجة هذه المجتمعات للأيدي العاملة. ومع أوائل السبعينيات، شعرت الدول الأوروبية، نسبيا، بالاكتفاء من الأيدي العاملة، مما جعلها تتبني إجراءات قانونية تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، وفيما بعد أصبح وجود المهاجرين على أراضيها يشكل مخاطر كبيرة مما استوجب سن قوانين تقلل دخولهم إلى أراضيها لما يشكله تواجدهم من خطر على أمنها واستقرارها".

هذا يدفعنا إلى العودة قليلا للوراء كي نشير إلى أن البلدان الأوروبية، التي تحتل اليوم خانة الاستقبال، كانت هي الأخرى مصدرا للهجرة، الشرعية وغير الشرعية في أعقاب الحربين الكونيتين، وخاصة في الأربعينات من القرن، بفضل الظروف التي أفرزتها الحربين الكونيتين الأولى والثانية، في بلدان أوروبا، المنتصرة فيها والمهزومة على حد سواء. وأن تلك الهجرة لم تتوقف إلا عند إطلالة العقد السابع من القرن الماضي.

هذا ما توضحه أيضا مقالة كاثلين نيو لاند، المؤسس المشارك وزميل أول في معهد سياسات الهجرة بالولايات الأمريكية المتحدة، في حديثه عن نجاح الولايات في تطوير اقتصادها الناشئ خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حيث نجده يؤكد "لقد استفدنا إلى حد كبير من اللاجئين الذين قمنا بإعادة توطينهم. حيث ساعدنا العلماء اللاجئون الألمان على الفوز بالحرب العالمية الثانية، ويملأ أرقى جامعاتنا علماء أوروبا الشرقية الشيوعيين الفارين من الاضطهاد. وساعد اللاجئون الولايات المتحدة على تصدر الصناعات مثل: اللاجئ الهنغاري أندي غروف، رئيس مجلس إدارة شركة (إنتل) السابق، واللاجئ الكوبي كارلوس جوتيريز وزير التجارة الأسبق والرئيس التنفيذي لشركة (كيلوغ)، والطلبة المتفوقون من اللاجئين الصينيين والفيتناميين الذين ساعدوا على تطور شركات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية".

ويضيف مقال "نيو لاند" المنشور على موقع "الـسي إن إن" الإلكتروني، " تستضيف الولايات المتحدة حاليا ما يقارب 70 ألف لاجئ سنويا من خلال برنامجها لإعادة التوطين. ولكن في عام 1992 كان عدد اللاجئين حينها الضعف تقريبا. لذا فمن المؤكد أننا نستطيع استقبال المزيد من اللاجئين، وينبغي علينا فعل ذلك".

وفي السياق ذاته ينوه بن بوعزيز آسية، إلى أنه منذ "ستينيّات القرن العشرين عرفت الهجرة تطوّراً نوعيّاً وكميّاً، فأوروبا المُستقبلة للأيدي العاملة كانت تعيش مرحلة تُسمّى بـالثلاثينيات المجيدة حيث تضاعفت حاجتها لقوة العمل، ومنذ العام 1974 وعلى أثر الأزمة الاقتصاديّة التي عرفتها الدول الأوروبية، تمّ إيقاف الهجرة الشرعيّة".

وكما تجمع العديد من المراجع ذات العلاقة بظاهرة الهجرة "عرفت الهجرة في كل أنحاء المعمورة خطاً بيانياً تصاعدياً، مازال متواصلاً حتى الآن، بل إنه مرشح للارتفاع اليوم أكثر من أي وقت مضى، بفعل عدد من المؤثرات والعوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وإذا كانت لغة الأرقام في ستينيات القرن الأخير توضح أن عدد المهاجرين بلغ 70 مليون شخص، فإن واقع اليوم يشهد بأن هذا العدد وصل الآن إلى (175) مليون مهاجر، في موجة بشرية تلف العالم كله. وكما تشير إحصاءات تقرير للمنظمة العالمية للهجرة، "فإن شخصاً من أصل(35) في العالم هو مهاجر، أي ما يمثل (3%) من مجموع سكان العالم".

وهنا تجدر الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية، وهي "الفوبيا" الغربية من ظاهرة النهوض السياسي في صفوف الحركات الإسلامية، وانعكاس ذلك على التجمعات الإسلامية في بلدانها. هذا ما كشف عنه مقال الدبلوماسي الأمريكي تيموثي سافيج، المعنون "أوروبا والإسلام: الهلال المتنامي، وصدام الثقافات"، الذي نشرته المجــــلة الفصلية "ذي واشنطن كوارترلي The Washington Quarterly"، الذي يتنبأ بأنه " لن يكون لـ الإمبراطورية الأمريكية الجديدة، ولا حتى دول الاتحاد الأوروبي نفسه التأثير الرئيسي علي مستقبل أوروبا. وعلى غير المتوقع، فإنه سيكون للمسلمين والإسلام الدور الأساسي في نحت معالم أوروبا. ويقدر البعض أنه في منتصف القرن الواحد والعشرين سيكون الإسلام العامل الأبرز في تحديد ونحت معالم أوروبا سواء أكانت موحدة أم دولا".

تعليق عبر الفيس بوك