وهم التفوُّق

جمال القيسي

ثمَّة أسئلة كثيرة، وكبيرة، وقاسية، بل موجعة واستفزازية، ولكنها ضرورية.. علينا كأشخاص يشكلون مجتمعات عربية، طرحها على أنفسنا بكل صراحة؛ لأنَّ السكوت عن مساءلة النفس عن أحوالها، يعتبر تواطؤا، بصورة أو أخرى، على النفس ذاتها والمجتمعات التي بمفهومها الوحدوي تشكل الهوية في نهاية الأمر. علينا نقد أوضاعنا بجرأة عالية، ويتوجَّب تحريك الماء الراكد بحجارة التساؤلات الواضحة والصريحة والمباشرة، مهما كانت النتائج صادمة، علينا تحمل النتائج، غير مقبول من أحد، هنا، التحامق وادعاء أن هذه التساؤلات اصطياد في الماء العكر؛ لأن الكاتب لا يصطاد في عكر مائه، إذا كان يصطاد في الأصل.

دعونا نسأل: أليست الأمة العربية غائبة عن كل تقدُّم، ولم تحرز شيئا ذا بال منذ مئات السنين؛ وبالتالي فقدت الكثير من مقومات وجودها؟ الأمر الذي يُجيز لنا طرح سؤال حول السر الذي يجعل العرب -رغم هذا الغياب- يعتقدون أنهم خيرٌ من باقي الأمم والبشر؟ ورغم أن العربي، في العصر الحالي، لم يقدم أي اكتشاف أو اختراع علمي مفيد ومفصلي في مسيرة الحضارة الإنسانية. وليس للعربي، في وقتنا الراهن، أي يد في ميادين العلوم مثل الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا...وغيرها، كما لا يملك هذا العربي أيَّ دور أو إسهام في الثورة التكنولوجية التي بدلت حياة البشرية فألغت الأزمنة، ومحت الأمكنة. وقلبت المشهد الكوني، وتشهدون، ونشهد، أن من فجّر هذه الثورة العظيمة علماء أمريكا والغرب، دون شراكة مع أحد. وفي الوقت نفسه، لابد من ملاحظة أن هذا المنجز العلمي يرافقه هدوء وعقلانية في التعامل مع القفزات الهائلة في فضاء العطاء، ولم يصدر عن شعوب هذه الدول أية معلقات وقصائد حول هذه المنجزات؛ لأن للشعر الميدان الرومانسي المختلف عن المنجز العلمي. أمم جديدة في حلل جديدة تهدي الأنوار للبشرية دون مقطع شعري أمريكي واحد يفخر فيه صاحبه بأنه من أمة اخترعت أو صممت فيسبوك مثلا. كل هذا مقابل العربي المسلم، الذي يعتقد أن البشر ما لم يكونوا عربا فهم بلا عزة أو كرامة؛ وبالتالي بلا تاريخ مجيد تليد، ويؤمن أيضا بأن البشر إذا لم يكونوا مسلمين فهم كفار وعلى ضلال، ولابد من تخييرهم بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، وإلا فمصيرهم القتل!

لابد أن نرى أنفسنا على حقيقتها، دون رتوش، أو مخدرات ذاتية نفسية. فإنساننا العربي المتعالي على البشر ليس له أي حضور إبداعي لافت أو مختلف على الصعيد العالمي سواء في الأدب أو الفن التشكيلي أو المسرح. كل ما لديه إنجازات (ربما تعد إنجازات) محض اكتشافات أدبية واختراعات محلية، تخص لغته وحده؛ مثل بحور الشعر، والمحسنات اللفظية والبلاغية والتشبيهات والطباق والجناس والمقامات.. والغناء بفرح وحبور لاكتشاف البحر الخفيف:

يا خفيفا خفت به الحركات.. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

النتيجة البسيطة على السؤال البسيط الذي مفاده: أين نحن اليوم؟ تقول بأنه لا يوجد لهذا العربي المسلم أي وجود في قاعدة بيانات المنجز الحضاري العالمي.
ودعك أيها الغيور على دينك وعروبتك، من الاستشهاد بأنك من خير أمة أخرجت للناس؛ لأن حالنا كعرب متخلفين عن مكوك الحضارة لا يدل بأي صورة على ما تدعي. وأنت كذلك يا من تستشهد بأسماء بضعة أشخاص عرب حققوا بعض التفوق هنا أو هناك، عليك أن تلوذ بالصمت؛ لأن هذا استثناء على الأصل، والاستثناء، أيها الواهم، يعزز القاعدة، وهي أن العرب والمسلمين أمة لم تصدر للعالم الحديث المتحضر غير الإرهاب واللاجئين. ولم نحضر أمام العالم الحديث إلا على هيئة أوزان ثقيلة في ميزان التصنيف السلبي. لا حضور لصورتنا هناك إلا على هيئة التنظيمات المتشددة التي تزرع الرعب وتحصد نتائج القتل والدمار، وإن لم يكن لغالبيتنا يد في فئات ضالة بين ظهرانينا، إلا أن هؤلاء هم من نابوا عنا في تقديمنا للآخر.

تعليق عبر الفيس بوك