جودة الحياة

مريم العدويَّة

باتت أخبار الفساد في المجتمع مألوفة جدًّا لدينا؛ ففي كل يوم نطالع خبراً يفيد بضبط مجموعة جديدة.. وإن جاءت هيئة حماية المستهلك مُتأخرة لردع أصحاب الضمائر المريضة والمستهترين والباحثين عن الربح الوفير بالطرق القصيرة والملتوية، إلا أنها بلا شك فتحت باباً جديداً من الوعي لدى المواطن لينتبه لما يأكله ويشربه، بل وحتى للخدمات المقدمة له.

في زمن كهذا لا يتطلب البحث عن الفساد إلى مرآة مُكبَّرة؛ بل على العكس تجده هو السائد حتى ليصعب عليك البحث عن البديل!

فماذا عساه المواطن أن يفعل والشك قد دب في كل شيء وبات ما خلف الستار منظراً مقززاً لعالم يخلط قاذورات المواد المنتهية الصلاحية -على سبيل المثال لا الحصر- بلقمة العيش دون خوف أو رحمة؟

إنَّ قضايا بيع المواد منتهية الصلاحية أو تلك المخالفة للاشتراطات الصحية لها حل واحد وهو الرقابة والوعي؛ فمتى ما كان العقاب جاهزاً ومشدداً لكل من أساء الأدب ومتى ما كان لدى المواطن الوعي بحقوقه والقوانين التي تكفل له حقوقه، فإن الفساد لن يجد مكاناً في مجتمعنا ليستشري فيه كما هي الحال الآن.

ومن جانب آخر، فإن الرقابة والوعي كما تتطلب وجود الضمير الحي، فإنها تتطلب كذلك وضع مصلحة الوطن فوق المصلحة الشخصية، وعدم الرضوخ والسكوت أمام جبروت الباطل أو التهاون في المطالبة بالحق.

الفساد لا يعني بالضرورة فساد الجهات العليا، أو فشل الخطط الإدارية الكبيرة، بل ربما فساد موظف في أحد المهام البسيطة سيأتي على جودة مؤسسة بالكامل.

إننا لا ننكر الفجوة الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى، التي نالت من الحضارة والتقدم نصيباً وفيراً ما زلنا نحلم به، ولكننا لن نحظى بأي شيء إذا علقنا الأحلام والأمنيات على صور الحائط وأكتفينا بذم الزمان والبكاء على السراب، إنما ينبغي علينا العمل بجد كلٌ من مكانه من أجل الغد الذي نحلم به، فالمجتمعات التي وصلت إلى ما وصلت إليه لم يتأتى لها سبقها من فراغ، وإنما بفضل جهود جبارة حولت الظلام إلى نور جاعلة من الحياة ذات جودة عالية كما يليق بالإنسان.

يقول جان جاك روسو: "أعطني قليلاً من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص المفسدين والعملاء". نعم إن الشرف وحب الوطن والضمير اليقظ هي الدعائم الأساسية لمجتمع ناجح وآمن.

أيها المواطن:

"من قال إن واجب الحكومة فقط أن تفتش في مدى صلاحية لقمة خبزك وكأس شرابك؟!".. فك قيد السلبية وكن أنت المحقق الذي لا يرضى بأقل من حياة ذات جودة عالية، راقب مأكلك ومشربك وملبسك بل وكل الخدمات المقدمة لك، وإياك وأن تكتفي بالنقد، بل عليك رفض كل ما هو دون المستوى المطلوب، ترفع عن الأدنى وأسعى للأعلى لتحصل عليه. وكن أنت شريك الحكومة واليد اليمنى التي تساهم في بناء هذا الوطن.

... إنَّ التقاعس والجهل أشد الأمراض التي تفتك للتو بمجتمعنا؛ فمتى ما ساد الجهل عن الحقوق واستشرى التقاعس عن المطالبة بها، ساد سبات موحش في المجتمع، بل قل بياتُ شتوي سيأخذه إلى غياهب الجحيم.

وفي هذا نطرق ناقوسا خطرا مهما ألا وهو العمالة الوافدة التي تمشط شوارع مجتمعنا بلا حسيب ولا رقيب والتي تعمل بتستر خلف كواليس بعض المواطنين للأسف، فهي الخازوق الذي يمزق ثقة المجتمع وكيانه، فالكثير من أعمال الفساد التي طالت المنتجات الغذائية والخدمية إنما كان وكر صناعتها هذه العمالة.

وإن كنا نطالب بإيقاع أشد العقوبات عليها، إلا أننا نطالب بأشد من تلك العقوبات على المواطنين الذين تستروا عليهم ومنحوهم الأمان والحماية، هكذا ومع غياب الضمير باعوا الوطن ببضع ريالات دون أدنى مسؤولية أو حس وطني، قبضوا الفائدة وناموا مطمئنين بينما هذه العمالة تعيث في الوطن الفساد.

عزيزي المواطن:

اليوم الباب مشرع على مصراعيه، بمكالمة هاتفية تستطيع المساهمة في الحد من الفوضى؛ فالهيئة العامة لحماية المستهلك اختصرت لك المسافة ولم يعد مطلوب منك تكبد المسافات ولا المناقشات الطويلة من أجل حقك؛ فبادر وإياك والتجاهل لأنك بذلك سوف تشارك في الجريمة. كن أنت عين الوطن التي لا تنام وشمر ساعديك لمجتمع آمن ونزيه.

تعليق عبر الفيس بوك