وأنا المرأة.. في حديث مع راشد

زينب الغريبية

zainab_algharibi@yahoo.com

"المرأة العمانية حظيت بمكانة مرموقة تحت ظل القيادة الميمونة لمولانا السلطان حفظه الله، لم يغب ذكر المرأة العمانية في أي محفل من المحافل العمانية، وفي أي موقع المرأة العمانية حاضرة بمكانتها بموقعها جنبا إلى جنب مع الرجل، هي شقيقة للرجل، هي عاملة بكل كفاءة واقتدار، اليوم تجازونا الحديث عن المرأة الوزيرة، والمرأة السفيرة،والمرأة المديرة، اليوم الحديث عمّا هو أعمق من ذلك، المرأة العمانية ومشاركتها الفاعلة بعد أن نهديكم هذه الأغنية.." هذه كلمات قالها المذيع المتألق راشد السعدي في لقاء كان معي في برنامج من عمان يوم الثلاثاء الماضي للحديث عن المرأة الكاتبة والصحفية والتحديات التي تواجهها، وتلاها المقطع الخاص بالمرأةمن أوبريت "صوت النهضة":

وأنا المرأة لي فالعيد لسان... يلهج بالذكر لما أعطاني السلطان

بيتي ما عاد خواءً في البهجة ألوان... وأنا حاملة الراية لي فالبلد معوان

والعلم لنا نور لا يمنعه حرمان ... وبعهدك يا قابوس عز الإنسان

وتناهت بالسعد ونيل الخير الأوطان

عندما هطلت كلمات تلك المقدمة على مسمعي وتلتها الأغنية جالت في وجداني مشاعر لا يمكن وصفها بكلمات، تدفقت حكايات كانت قد سردتها لي أمي وأخرى سردتها لي جدتي -حفظهن الله- عن أيام خلت كيف كان فيها وضع المرأة، وما هي الأدوار المنوطة بالمرأة، وكيف كانت تخدم وتفني نفسها دون تقدير لما تقوم به، فكأن ذلك واجبا عليها لا بد أن تقوم به، أعمال داخل المنزل وأطفال بأعداد كبيرة وعناية بالماشية وما تتطبله من أعمال مرتبطة، وعمل في مزارع وتكثيف عمل في مواسم معينة، وقلة ما تحصل عليه المرأة من تقدير واحترام ومراعاة مشاعر، بلا علم ولا ثقافة ولا أفق، وكان رأيها لا يعتد به حتى في أبسط القضايا المتعلقة بالمنزل.

كانت المرأة لا تعيش في بيت أهلها لفترة طويلة، فمن الممكن أن تغادره لبيت زوجها وهي في العاشرة من عمرها، حتى قبل أن تكون قد التحقت بركب النساء المؤهلات للبدء في عمليات الأمومة وما يلزمها، وكم من أطفال كانوا ضحية لهذا الوضع، فلم تكن سوى أداة للقيام بالأعمال المنزلية والولادة لتكوين الأسرة، حتى أنّ علاقتها بأهلها تضمحل شيئا فشيئا؛ فهي تتربى في بيت جديد، وقد لا تزور أهلها لعدة شهور؛ بسسبب صعوبة الحركة حتى بين البلدان داخل حدود الولاية الواحدة، فكيف إن كانت من ولاية أخرى؟!

قالت لي أمي: كنت أتوق للعلم، وقد كنت أسترق السمع إلى المعلم الشيخ وهو يعلم الذكور القرآن وتلاوته وبعض أحكامه، وقد حفظت أكثر مما حفظ بعض الذكور المتحلِّقين حول الشيخ، فقد كانت تحب أن تتعلم وتتقن ذلك، وتعلمت ما استطاعت عن بعد فلا يحق لها الدخول بين صفوف الذكور في الحلقة لتعلم القرآن. وقالت لي جدتي: ولدت خمسة أطفال في بداية عمري ولم أكن على دراية بكيفية العناية الصحيحة بهم، ففقدتهم الواحد تلو الآخر،وكنت لا أجد حتى وقتا للحزن عليهم فعليَّ أن أقوم بكافة أعمالي المنزلية ومهامي تجاه الماشية والمزرعة، فلا أحد سيقوم بعملها عني..

ما بين تلك الحياة وذاك الجزء من الصورة الذي استعرضته، وما أجد عليه نفسي ومن هن في جيلي وجيل سبقني بقليل، ثمة نقلة في وضع المرأة من جميع جوانبها، في جميع حقوقها، من التعليم والصحة، ورعايتها في جميع أوضاعها في حالة حملها وولادتها، في حقها باستقلالها الاقتصادي، وهذا ما أعطاها قوة في وضعها الاجتماعي وأدوارها التي أصبحت تمارسها، والتحول في طبيعة وشكل مشاركاتها في البيت والمجتمع، بل والعالم، أصبح لها صوت تأخذ به حقها لو سلب منها، بالحجة والبرهان، بعلمها وقوة شخصيتها، بالتحديات التي تخوضها مما تواجهه ممن حولها أحيانا، ليس من الدولة ولا من القانون والسياسيات، بقدر ما هي من العادات والتقاليد العقيمة أحيانا، وسيادة نظام القبلية الذي يعيق تقدم المرأة ليس لشيء سوى لرجعية في التفكير لأدوار المرأة وقدراتها وإمكاناتها.

لست ضد العادات والتقاليد ولكني ضد العقيم منها والذي لاينبع من قيمنا الإسلاميّة، فما دامت المرأة محتشمة متمسكة بقيم الدين الإسلامي، ومراعية حدودها في التعاطي مع المجتمع، ومع قضايا الخلط ونتائجها وحدود تعاملاتها، فلا ضير في مشاركتها، ولا حدود لتحليقها في سماء العطاء والمشاركة، لتصل لمجالس الشورى والدولة، والمجالس البلديّة للمشاركة المدنية والسياسية، وهن رائدات الأعمال في المشاريع الصغيرة والمتوسطة طرقن بذلك مجال التجارة وأثبتن فيه قدراتهن، ولهن باع في الإنجاز الإعلامي والصحفي، ناهيك عن الخدمات الاعتيادية التي شغلتها المرأة منذ البداية في عصر النهضة من تعليم وصحة وشرطة وأعمال مكتبية.

لذا سحبتني كلمات راشد لعالم مليء بالصور المتطايرة، التي تصف أوضاعا مختلفة جاشت في مخيلتي، عشت معها لحظات من الإحساس العميق بالعرفان للمنقذ الباني، الذي انتشلنا من تلك الظروف وصعد بنا إلى أفق ما كانت المرأة لتحلم أن تصله، لو استمرت تعيش في نفس الظروف السابقة بنفس العقلية والإنغلاق، والظروف المعيشية الصعبة، والقناعة بما تجد حتى ولو كان القليل جدًا، وما زاد تلك المشاعر تدفقًا بداخلي أن كنت ممثلة للمرأة العمانية في ذاك اللقاء، كامرأة تحدت لتصل، وعانت لتكون، وما زالت تكافح من أجل الوصول لما يمثل طموحها في مجالها من المعرفة والتحليق في عالم الكتابة بكافة أشكالها من أدب ومقال وسياسية وشؤون مجتمعية..

ويبقى على المرأة بعد أن مُهِّد لها الطريق أن تقوي من عزيمتها ولا تيأس، وأن تكمل المشوار الذي بدأ بخطوة، وتَقدَّم خطوات، لتكمل السير فيه بخطوات واثقة جريئة، نحو تحقيق الحلم الذي يَبني لا يَهدم، ويصعد بلا فرصة للنزول، يحقق الازدهار لنثبت للجميع بأن خروج المرأة للمجتمع صحيح، ولا يعني تفشي الفتنة كما يظن البعض، بل هو خير لهذا المجتمع ورقي له، وأن المرأة إنّما تخرج بكل حشمتها ممثلة قيم دينها الحنيف، لتنشر الخير وتساعد في البناء، وتصنع الأفق البرّاق لوطن جميل، بجانب شقيقها الرجل، ومن أجل أجيال لاحقة، لتكون قد قادت وبكل جدراة الدفة من حيث انتهت بمن سبقنها، لتسلم القيادة في مرحلة لاحقة لمن يأتي من بعدها من بنات هن من صنع هذه الفكر النير، التواق للعطاء والتحدي، وبناء الأوطان.

تعليق عبر الفيس بوك