تربويون: غربة الطالب سلاح ذو حدين وتأثيراتها تعتمد على قوة الشخصية والإرادة

الحجري: الغربة ضرورة حتمية قد يواجهها الطالب في أي مرحلة ويجب الاستعداد لها

الزعابى: بعض الطلاب المغتربين يتأثرون بضغوط نفسية تظهر في تدني مستواهم الدراسي

الخروصية: الدراسة في مجتمعات مختلفة تكسب الطالب مهارات حياتية إلى جانب التحصيل العلمي

الذهلي: ضغوط الحنين للأهل والوطن ضريبة مؤقتة يدفعها كل من يخوض تجربة الغربة للدراسة

الخروصي: الطالب الناجح هو من يحوِّل صعوبات الغربة إلى دافع للنجاح والتفوق

البحري: كثير من الدراسين بالخارج عادوا إلى الوطن ناجحين وتولوا مناصب قيادية

تباينتْ آراء عددٍ من التربويين والمواطنين حول تأثير الغربة في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج، أو الدارسين داخل السلطنة بعيدا عن أسرهم؛ حيث قال عددٌ مِمَّن استطلعتْ "الرُّؤية" آراءهم إنَّ للغربة آثارا إيجابية وسلبية على مستوى الطالب؛ من حيث: التحصيل الدراسي، أو نمو الوعي والقدرة على التعامل مع الثقافات المختلفة، وهو ما يعتمد بالدرجة الأولى على مدى قوة شخصية الطالب، وإيمانه بالمبادئ التي نشأ عليها، وقدرته على التأقلم مع الظروف المتغيرة، والاستفادة من التجربة في اكتساب مهارات حياتية جديدة، بدلا من التأثُّر سلبا بغياب الرقابة الأسرية والتواجد بين أصدقاء السوء في مجتمعات تختلف عمَّا نشأ عليه الطالب خصوصا في الجوانب الدينية والقيمية.

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

وقال الدكتور سعيد بن علي الحجري مشرف تربية إسلامية: إنَّ بقاءَ الطالب بعيدًا عن الأهل من أجل الدراسة له الكثير من الإيجابيات التي تظهر في تنمية مستوى الطالب؛ حيث يعيش الطالب تجربة حياتية جديدة يكتسبُ من خلالها العديد من الخصال الإيجابية الحميدة التي تُعينه على مُواجهة الحياة فيما بعد. ولعلَّ من أهم تلك الإيجابيات: الاعتماد على النفس، وبناء شخصية عصامية واثقة لديها المرونة الكافية للتعايش مع الظروف الحياتية المختلفة.

وأضاف الحجري بأنَّه وفي المقابل هناك بعض السلبيات، لكنَّ الأمر يتوقَّف في المقام الأول على شخصية الطالب، في ظل غياب رقابة الأهل وابتعاد الطالب عنهم، حيث إنَّه قد يجد في ذلك فرصة للتصرف بلا رقيب؛ مما قد يُؤدي به إلى التخلِّي عن بعض القيم السامية التي تميز المجتمع الذي ينتمي إليه، كما أنَّ عدم قدرة بعض الطلاب على انتقاء واختيار واصطفاء الأصدقاء الجيدين الذين يُساندونهم ويكونون لهم عونا ودعما لهم في الغربة قد يضطرهم إلى مصاحبة أصدقاء السوء الذين يقودونهم إلى سلوك الطرق والسلوكيات والممارسات غير المرغوب فيها؛ مما يُفقدهم القدرة على اكتساب المهارات والمعارف والخبرات الحياتية الإيجابية التي تنمي الفرد وتطور المجتمع.

وعن احتمال تدنِّي مستويات الطلاب في ظل غيابهم عن الأهل، قال الحجري: إنَّ ذلك يتوقف على عدة أمور مهمة مُتعلقة بالطالب نفسه؛ أولها: هل لدى الطالب طموح وأهداف سامية يريد تحقيقها في حياته؟ فوجود الهدف والطموح يجعل الطالب يركز ويعطي جل اهتمامه لتحقيق تلك الأهداف والطموحات؛ مما يجعله يبذل أقصى ما عنده من جهد وقدرات لرفع مستواه. أما إذا فقد الطالب الهدف والطوح فيكون عُرضة للانجراف والانجرار نحو الأفكار والسلوكيات الهدامة التي تؤدي بلا شك إلى تدني مستواه التحصيلي والسلوكي والفكري.

الإيمان بالمبادئ

وتابع الحجري: ومن المؤثرات أيضا مدى قوة شخصية الطالب وإيمانه بالمبادئ والقيم والأهداف؛ فكل تلك الأمور تجعل الطالب يحقِّق التميُّز في السلوك والطموح والتحصيل. أما الطالب ضعيف الشخصية وغير المؤمن بمبادئه وقيمه، فإنه يكون عُرضة للتأثر بمن حوله من أصدقاء السوء وبالمغريات المحيطة به وتفقده البوصلة التي تقوده للمعالي، كما أنَّ للصديق دورا مهما في تكوين شخصية الطالب المغترب، وفي إيمانه وسلوكه وممارساته؛ وبالتالي المستوى العلمي والأخلاقي.

وزادَ الحجرى بأنَّ الطلاب في عمومهم يظهرون قدرة كبيرة على التأقلم مع الغربة وما تزخر به من تحديات وعقبات، ويستطيعون التغلب عليها. وهناك قلة قليلة من الطلاب لا يستطيعون التكيف مع الغربة وظروفها والأوضاع الجديدة الناتجة عنها. وإذا تتبَّعنا تجارب الطلاب الذين تغرَّبوا للعلم والدراسة سنجد أنَّ هناك نماذجَ باهرة لقدرة شبابنا على التكيف والإبداع والتألق في المجال العلمي والمعرفي والفكري والثقافي، واستدرك بأنَّ الاغترابَ للدراسة يبدأ في مرحلة عمرية حرجة وحساسة لدى الإنسان، وهي مرحلة المراهقة، بعد الانتهاء من دبلوم التعليم العام، وبلا أدنى شك فإنَّ هذه المرحلة تحتاج إلى رعاية وعناية ومتابعة خاصة من الأهل والوالدين، ودون تلك المتابعة والرعاية قد يُصاحب الاغتراب بعض المشكلات الاجتماعية الناجمة أساسا عن عدم قدرة بعض الطلاب على التكيف والتأقلم مع جو الحرية المصاحبة عن الابتعاد عن متابعة الوالدين لهم وما ينجم عن ذلك من صداقات وعلاقات اجتماعية جديدة مع طلاب من مختلف المستويات الأخلاقية والسلوكية والفكرية، ويمكن تقليل تلك المشكلات من خلال المتابعة الدورية من قبل الأهل للأبناء وهم في الغربة، وقبل ذلك تهيئتهم وتربيتهم على الثقة والاستقلالية والقدرة على تقييم الأفكار، وكذلك التربية على القدرة على الاعتماد على النفس في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة.

واختتم الحجري بقوله: إنَّ الغربة عن الأهل هي ضرورة حتمية قد يُواجهها الإنسان في أي مرحلة من حياته. ولعلَّ أفضل طريقة لإعداد الفرد على مواجهة تلك الغربة هي التربية القيمية السليمة، وغرس الثقة بالنفس لدى الابن منذ الصغر، وتعويده على العصامية وإكسابه مهارات التعايش مع الآخر.

الضغوط النفسيَّة

وقال سامى الزعابى: إنَّ من بين الطلاب الذين يتغرَّبون عن أهلهم فئة متضررة من هذا الوضع المؤقت، ويتمثَّل الضرر في الضغط النفسي الناجم عن البعد عن الأسرة، إضافة إلى أثر الأعباء المالية المترتبة على الانتقال من القرية للمدينة، وأوْضَح أنَّ غيابهم عن الأهل ليس من الضروري أن يكون سببا في تدنى مستويات التحصيل لديهم بحكم غياب المتابعة الاسرية المباشرة بل قد يكون دافعا لمزيد من العطاء وبذل الجهد من أجل الوصول للهدف المنشود، وهو النجاح، خاصة وأن الطالب المغترب يكون متفرغا تماماً لمهمة الدراسة، إلا أنَّ هذا الأمر عائد لشخصية الطالب نفسه وميوله، ويُمكن أن يتأقلم هؤلاء الطلاب مع الأجواء الجيدة، بل ويكون هذا التأقلم دافعا لنجاحهم بحُكم رغبتهم في العودة من تلك التجربة بالنجاح الباهر، لكن على الجانب الآخر فإنَّ الغربة عن الأهل فى فترة مبكرة من العمر بالنسبة للطلاب يُمكن أن تسبِّب مشكلات اجتماعية ونفسية، خاصة في حال وجود أصدقاء سلبيين قد يتأثر بهم الطالب في صغره. وأشار الزعابي إلى أنَّ للأسرة دورا كبيرا في نجاح الطالب وتميزه، إلا أنَّ شخصية الطالب نفسه وتربيته يكون لهما بالغ الأثر في أن يوجِّها سلوكياته سلبًا أو إيجابا.

الظروف الصعبة

وقالت أمل بنت عبد الله بن سليمان الخروصية: إنَّ غياب الطلاب عن أهلهم يُزيدهم تحديا، وإن كان يُؤثر فسيكون له دافع نحو تحصيل دراسي عالٍ؛ باعتبار أنَّ الغربة لها فوائد عديدة وتخلق نوعًا من التحدى نحو التميز والعطاء، كما أنَّ الطالب مُتغرب عن أهله من أجل تحقيق هدف معين لابد أن يسعى إلى تحقيقه. وأشارت إلى أنَّ غالبية الملتحقين بدراسات خارجية يتعايشون ويتأقلمون مع تلك الأجواء الجديدة عليهم، وربما تساعدهم هذه الأجواء على بذل مزيدٍ من الجهد لأنَّ لهم هدفَ النجاح والتفوق. وتدفعهم الأجواء الجديدة إلى البحث عن صحبة طيبة مع أبناء البلد الواحد، أو مع طلاب الجامعة.. وغيرها من مجموعات الدراسة، كما أنَّ الغربة في سن مبكرة تُكسب الطالب فرصة اكتشاف ما هو جديد لتعويض ما يتعرَّض له من تحديات نفسية أو اجتماعية.

وأضافت الخروصية بأنَّ الطالب حين ينتقل للدراسة فى بلد آخر، حتماً سيحصل على خبرات لا حصـر لها فى التعامل مع المجتمع الجديد عليه، ومع أفراد من جنسيات وثقافات مختلفة، وهو ما يمنح الطالب ميزات اجتماعية وتفاعلية من الصعب أن يحصل عليها أثناء دراسته في بلده، ولا يقتصر الأمر على الجوانب الشخصية فقط، بل يمتد ليشمل خبرات تعليمية.

تحمُّل المسؤولية

وقال ربيع بن المر الذهلي: إنَّ كثيرا من الطلاب يحرصون فى سبيل العلم والمعرفة على السفر داخليا أو خارجيا، ويتسبَّب تغيير المكان والبُعد عن الأهل في ضغوط نفسية، خاصة في مرحلة معينة من العمر، والتي تشكل مُنعطفا خطرا في حياة الطالب؛ حيث يبدأ من خلالها التدرب على تحمل مسؤولياته المعيشية، بعدما اعتاد كثيرٌ من الطلاب على توفير كامل متطلباتهم من قبل أهلهم.

وأضاف الذهلي بأنَّ طالب العلم عندما يسافر إلى خارج وطنه -سواء كان دولة عربية أو أجنبية- يشعر بالحنين للوطن وألم الغربة، لكنَّ الطموح وطلب المعالي لابد لهما من ضريبة؛ فكثيرٌ من الطلاب لا يستطيعون التأقلم مع الوضع الجديد؛ مما يُؤثر على دراستهم أو قد يؤدي بالبعض منهم إلى ترك الدراسة والعودة للوطن، وهنا يبرُز دور الملحقيات الثقافية وأندية وجمعيات الطلاب في تلك البلدان، ودور زملائهم الطلاب الذين سبقوهم في التخفيف عليهم ومساعدتهم في تدبير شؤون حياتهم في أيامهم الأولى؛ حيث يختلفُ وضع الطلاب مع الغربة باختلاف نفسياتهم وقدرتهم على التكيف مع الواقع الجديد. وهنالك كثير من الطلاب برغم مستواهم الدراسي المتميز في مرحلة دبلوم التعليم العام، إلا أنهم لم يستطعوا مواصلة دراستهم في دول الابتعاث؛ مما يولِّد لديهم اضطرابات نفسيه تؤثر في مستوياتهم التحصيلية؛ مما يدفع بالكثير منهم إلى العودة للوطن بعدما ضاعت فرصة العمر.

وذهب هلال بن حمد بن محمد الخروصي إلى أنَّه لا يمكن القول بأن فئة الطلاب المغتربين مُتضررون بالإجمال، لكن قد يكون الضرر بالنسبة للطلاب الذين لم تتم تهيئتهم التهيئة المناسبة للغربة عن أوطانهم من أجل الدراسة؛ حيث إنَّ الغربة في الأصل تعلِّم الإنسان أشياء إيجابية كثيرة، وقد يكون بُعد الأهل له سبب رئيسي في تدنِّي المستوى التحصيلي بحكم غياب الرقابة عن الطالب، وهو ما يُؤثِّر بطريقة غير مباشرة على المستوى، لكنَّ التنشئة العُمانية للأبناء بشكل عام تحد من تأثر مستوياتهم الدراسية في ظل البعد عن الأهل.

وأضاف الخروصي بأنَّ الطالب يُمكنه أن يتأقلم مع الأجواء الجيدة ويكون ذلك دافعا لنجاحهم في حال توافر التهيئة النفسية الأولية وتقبُّل الفكرة؛ مما يغرس في نفوسهم دافعية لخوض تجربة الدراسة بعيدا عن الأهل لكسب تجربة جديدة.. وأشار إلى أنَّ الغربة عن الأهل فى فترة مبكرة من العمر قد تتسبَّب في مشكلات اجتماعية ونفسية للطلاب؛ إذا لم يتألقم الطالب بالصورة الكافية مع البيئة الجديدة، خصوصا إذا كان الطالب فى سن المراهقة، ويكون التأثير من كل النواحي كالعادات والتقاليد واللغة وحتى الالتزام الديني.

عقبات الغربة

وقال سليمان بن علي بن حمود البحري: إنَّ سفر الطلاب بعيدا عن الأهل من أجل التعليم يعود نفعه أو ضره على شخصية الطالب المبتعث؛ فالطالب الإيجابي يكون هدفه الرجوع إلى أرض الوطن مُكللا بالنجاح والتفوق، ويطمح إلى الرقي بنفسه ومكانته الاجتماعية. أما الطالب السلبي، فتكون نظرته السلبية للغربة سببا في تدني مستواه التحصيلي، وربما يدخل في متاهات حرجة، وغياب الأهل عن الطلاب له تأثير كبير في النواحي النفسية؛ فالشوق للأهل والوطن أمران لا يختلف عليهما أحد، ولكن على الطلاب تخطِّي هذه العقبة، وجعل الدراسة هي الهم الأكبر فى الغربه. لافتا إلى أنَّ بعضَ الطلاب يظهر عليهم تدنِّي التحصيل الدراسي على الرغم من قدراتهم العقلية العالية بسبب الغربة عن الأهل، لكنَّ الطالب يظلُّ قادرًا على التأقلم إذا كان صاحب إرادة وعزيمة قوية؛ فكم من طلاب اغتربوا في دول أوروبية لفترات طويلة، واليوم يشغلون مناصب قيادية مهمة في الدولة، وأحيانا تجد طلابًا مُستمتعين بالغربة، خصوصا وأنهم ابتعثوا لدول جميلة مناخيًّا وسياحيًّا، ولا يعانون من الشعور بالغربة بشكل سلبي. واختتم بقوله: إنَّ الدراسة في الخارج تمثل أولوية قصوى لدى البعض، خاصة وأن لها إيجابيات تتمثل فى تعوُّد الطالب على أن يعيش فى مجتمعات مختلفة، والتأقلم مع مختلف الثقافات، كما أنها تعمل على تطوير الطالب أكاديميًّا وثقافيًّا.

تعليق عبر الفيس بوك