ساعة أحمد محمد تؤكد أنّ أمريكا ليست عظيمة

 

عبيدلي العبيدلي

تنادت وسائل الإعلام الغربية، والأمريكيّة منها على وجه التحديد كي تبرز بشكل واع، مقصود خبر موافقة التلميذ السوداني المسلم أحمد محمد "على دعوة وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تغريدة على تويتر للقائه في البيت الأبيض". ولم ينس أوباما أن يضيف في تغريدته، ""علينا تشجيع المزيد من الأطفال أمثالك ليحبوا العلوم، هذا ما يجعل من الولايات المتحدة عظيمة".

طمست هذه الدعوة التي ضخمتها وسائل الإعلام تلك، كل ما تعرّض له الفتى أحمد من معاملات عنصرية بدأت بشك أستاذه "المربي" في أنّ ساعته الرقمية التي طوّرها بنفسه يمكن أن تكون قنبلة موقوتة، وبدلا من أن يكلف نفسه عناء الاستفسار من أحمد، سارع إلى مصادرة الجهاز، واستدعاء شرطة تكساس التي هبت بدورها مسكونة بفوبيا متعددة الأوجه: إسلاميّة، عربية عرقية، كي تنقم من أحمد الذي يمثل من وجهة نظرها فتى مسلما عربيا أسود.

فكما يروي أحمد بصدق وشفافية ما تعرض له من اضطهاد لصحيفة "دالاس مورنينغ نيوز"، إنّ "المدير وعناصر من الشرطة اقتادوني إلى غرفة حيث استجوبوني وفتشني خمسة شرطيين، وصادروا حاسوبي اللوحي واختراعي، ثمّ تمّ نقلي إلى مركز احتجاز الأحداث، حيث تمّ تفتيشي، وأخذوا بصمات أصابعي والتقطوا لي صورًا ومنعوني من الاتصال بوالدي أثناء استجوابي. وبعدما أطلقوا سراحي طردت ثلاثة أيّام من المدرسة".

حادثة ساعة أحمد، رغم تغليفها برقاقة مبهرة مثل دعوة أوباما أو ما جاء على لسان مؤسس موقع "فيسبوك" ومديره التنفيذي مارك زوكربيرج، الذي نشر، هو الآخر على حسابه الشخصي على "فيسبوك"، إنّ "طفلاً مثل أحمد لديه موهبة وطموح هكذا يجب دعمه ليكون أفضل وليس اعتقاله لأنّ المستقبل ينتمي لهؤلاء الذين يشبهون أحمد"، لا تستطيع أن تمحو من التاريخ، والذاكرة المعاصرة للعالم سجل أمريكا الحافل بالعنصرية من أذهان العالم.

لن نعود هنا للماضي كي نستحضر قصة الأمريكية السوداء روزا باركس التي قالت قبل 50 عاما لسائق الحافلة الأمريكي الأبيض "لا لن أترك مقعدي". كانت باركس حينها تتحدى قوانين ولاية ألاباما التي "تنص على أن يدفع السود ثمن التذكرة من الباب الأمامي وأن يصعدوا الحافلة من الباب الخلفي، وأن يجلسوا في المقاعد الخلفيّة. أمّا البيض فلهم المقاعد الأماميّة، بل من حق السائق أن يأمر الركاب السود الجالسين أنّ يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض".

كما إننا لن نسترجع تاريخ الإبادة التي تعرض لها سكان أمريكا الأصليون، حيث يقدر الباحث منير الحمش، كما ينقل عنه حمدي شفيق "أعداد السكان الأصليين الذين أبادهم الغزاة الأوروبيون بأكثر من مائة مليون هندي أحمر! ولم يتورع السادة البيض الذين أسسوا ما يسمى الآن بالولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام أحط الوسائل وأخس السُبل للقضاء على الهنود الحمر، ومنها تسميم آبار المياه التي يشرب منها السكان الأصليون، وحقنهم بالفيروسات وجراثيم أشد الأمراض فتكاً مثل الطاعون والتيفويد والجدري".

إذ تمعنا حوادث معاصرة حيّة تكشف أنّ العنصرية ما تزال مستشرية، ليس في ذهنية نسبة لا بأس بها من المواطنين الأمريكيين، بل هي سارية حتى في مؤسسات الدولة والإجراءات التي تسيرها.

وتعترف الإحصاءات الصادرة عن مراكز أمريكية "أنّ مظاهر التفرقة العنصرية مازالت موجودة. إذ توجد حتى اليوم "أحياء في كبريات المدن الأمريكية يتكدس فيها السود بلا مرافق أو خدمات، كما أنّ معظم المشردين بلا مأوى Homeless هم من السود والملونين، وعددهم يفوق الثلاثين مليونا. وفي أمريكا يوجد أكبر عدد من السجناء في العالم كله -2 مليون سجين- ثلاثة أرباعهم من السود".

هل تستطيع دعوة أوباما لأحمد أن تزيل من ذاكرتنا "أحداث لوس أنجلوس، حيث ثار السود احتجاجًا على الممارسات البوليسية الإجراميّة ضدهم، وسحل مواطن أسود بواسطة رجال الشرطة البيض حتى الموت. واندلعت مظاهرات صاخبة في أكتوبر 2007 م احتجاجًا على اعتقال 6 تلاميذ سود وتلفيق تهمة لهم هي الشروع في قتل تلميذ أبيض"؟

لذا فإن كان في وسع الرئيس الأمريكي أن يمسح دموع أحمد، فهو لن يستطيع أن يعيد الحياة لضحايا "المذبحة التي شهدتها كنيسة يرتادها مسيحيون من أصول إفريقية في مدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا في منتصف يونيو 2015، الناجمة عن مهاجمة شاب للكنيسة وإطلاق النار على المصلين أدت إلى وفاة تسعة أشخاص من بينهم أسقف الكنيسة السيناتور الديمقراطي كليمنتا بينكني".

كما أنّها لن تستطيع أن تزيل من تاريخ أمريكا، وفي فترة ولاية أوباما ما قام به "سفاح نورث كارولينا الذي قتل زوجًا وزوجته وشقيقتها رزان أبو صالحة 19 عامًا ويسر أبو صالحة 21 عامًا ومحمد بركات 23 عامًا داخل منزلهم في نورث كارولينا بإطلاق الرصاص من بندقية تجاه رؤوسهم مما أودى بحياتهم"، في فبراير من العام 2015.

وفي مقالة الكاتبة في موقع "الأهم" سمر علي الكثير من الصحة عند حديثها عن فشل أوباما في التصدي للانقسامات العرقيّة، والنزعات العنصرية المنتشرة في الولايات المتحدة، عندما تقول عندما "تولى أوباما رئاسة أمريكا في يناير عام 2009 كان أول شيء متوقع أن يقوم بحل الانقسامات العرقية؛ حيث أعتقد الناخبون أنّ أول رئيس أمريكي أسود اللون قد يساعد في القضاء على التمييز العنصري بشأن اضطهاد السود في أمريكا، إلا أنّ أوباما تعامل مع تلك القضيّة بسطحية كبيرة، وهو ما ظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة بعد تعرض السود للقتل على يد رجال الشرطة في عدة ولايات مثل فيرجسون وميزوري وبالتيمور وغيرها".

رنين ساعة أحمد محمد الرقميّة يؤكد أنّ أمريكا ربما تكون دولة قوية همجيّة، لكنّها بالتأكيد "ليست أمة عظيمة"، كما يدّعي أوباما.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك