ركلات ترجيح


المعتصم البوسعيدي

يُقال: "الحظ هو ما ينتج عن ملاقاة الاستعداد للفرصة"، ويُعرف بأنه حدث يقع للمرءِ ويكون خارج نطاق إرادته أو نيته أو النتيجة التي يرغب بها؛ فنقول "لولا يأتينا" وننتظر، أو أنه يأتي وعليه نمضي في طريق تمَّهدَ بقدرة قادر.

هل للحظِ دور فيما تحققَ مع منتخبي الناشئين والشباب لكرة القدم إثر تربعهما على العرش الخليجي في الأيام الماضية؟! التنظير في المسألةِ من السهولةِ بمكان وفتح النوافذ على الأسباب والمسببات يكاد يكون مُكررًا في ظلِ التعاطي الإعلامي والمجتمعي على حد سواء، الحظ -كما ذكرت المقولة- ينتج عن الاستِعداد، وهذا -في وجهة نظري- أبلغ تعبير؛ فنحن استفدنا من حظ ركلات الترجيح لحسم البطولتين، لكن ذلك كللَ استعداد وعمل مبذول فتلاقى الأمرين ليرسما ابتسامة على (الوجه العبوس)، ولا أتحدث عن الاستعداد كخطة ومعسكرات؛ بل الحديث عن الجهد المبذول من الجهاز الفني والإداري واللاعبين بالدرجة الأولى، وقد أعجبني تصريح المدرب القدير رشيد جابر مدرب منتخبنا الشاب الذي استمتع بفرحة الإنجاز، لكنه علق بأنَّ المستويات الخليجية لا تعكس بشكل كاف المستوى الفني للمنتخبات في إشارة للتحديات القادمة بالعمل والجهد الأكبر والأكثر استعدادًا وربما الأكثر حظـًا بإذن الله.

اُعتمدت ركلات الترجيح في بطولات كأس العالم منذ مونديال 1978 وطُبقت في مونديال 1982 وتحكي ركلات الترجيح قصصا شتى وأرقاما عديدة ولحظات لا تُنسى؛ فألمانيا الأكثر فوزًا بركلات الترجيح مناصفة مع الأرجنتين بأربع مرات، وفي الحالة الألمانية بالذات الحظ يفسر عملها الرائع بتواجدها الأكثر على مستوى النهائي والنصف النهائي، علمًا بأنها لم تفز في أي نهائي بركلات الترجيح، وإذا ما انتقلنا من قصة الحظ الباسم إلى قصة الحظ العاثر؛ سنجد النجم الإيطالي الشهير روبرتو باجيو يعاني نفسيًا بعد إهداره ركلة الترجيح في نهائي مونديال 1994، وقد وصف ذلك قائلاً: "كانت أسوأ لحظة في مسيرتي، لا أزال أحلم بها، لو يمكنني إزالة لحظة في مسيرتي لكانت هي"، لكنَّ الأمر لم يوقف عطاءه بالتأكيد ولم يثنه عن مواصلة مسيرته الناجحة، وقد يكون أدرك أنَّ الحظ جزء أصيل من اللعبة لكنه ليس اللعبة كلها.

وفي تاريخ منتخبنا الأول لكرة القدم لن نستطيع محو ذاكرة خليجي 17 بدوحة الخير، فقد كان الحظ هناك قاسيًا جدًّا علينا؛ حيث حانت الاستفادة من ركلات الترجيح لتتويج أفضل أداء لكرة القدم العُمانية بقيادة "ماتشالا"؛ فأهدر الضابط الركلة الخامسة الحاسمة ثم حانت فرصة أخرى أطاح بها علي الحبسي بقائم المرمى القطري، ليعاود الحظ منتخبنا للمرة الثالثة عن طريق يوسف شعبان الذي وجدت كرته قبضة الحارس محمد صقر، ومن ثم ينفلت الحظ من يدنا إلى يد العنابي التي أمسكت كأس الخليج في شكله الجديد بعدما فشل الحوسني هداف البطولة آنذاك في تسجيل آخر ركلة ترجيح، ولعل القدر أراد أن ينصف منتخبنا على أرضه؛ فكانت لحظة التتويج الخليجي الأول والوحيد حتى الآن بترجيحات -إن صح التعبير- خليجي 19 بمسقط أمام الأخضر السعودي الذي شرب من مرارة هذه الركلات خليجيًّا من الأحمر الكبير، كما ذكرنا، ومن الناشئين مؤخرًا، ثم الشباب في نصف النهائي الكأس الخليجية التي اختتمت مساء يوم السبت المنصرم.

ومن المعلوم أنَّ ركلات الترجيح تختلف عن ضربات الجزاء، فهما وإن يتقاطعان في شكل التنفيذ نسبيًا، إلا أنهما يختلفان من حيث إن ضربة الجزاء تتم في الوقت الأصلي ويُضمن الهدف المسجل باسم صاحبه عند نهاية المباراة، كما أنَّ هناك طرقًا في التنفيذ لا يمكن تنفيذها عند ركلات الترجيح، علاوة على البُعد النفسي في الحالتين؛ فطريقة التفكير هي من تقود اللاعب للتنفيذ الصحيح أو الخاطئ اعتمادًا على الصورة الذهنية التي يضعها، ومن ثم نجد هناك متخصصين يطيحون بالكرة خارج الشباك، ويصل الأمر لإضاعة الركلة بطريقة غريبة ومضحكة مثلما حدث مع نجم ريال مدريد ومنتخب إسبانيا سيرجيو راموس في ركلات الترجيح مع النادي البافاري بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2013، ويُفسَّر ذلك في حالة راموس وغيره بنتيجة اتخاذ القرار للفكرة الأخيرة كالتفكير بزاوية معينة، أو تصور ما سيحدث بعد إضاعة الركلة، أو تذكر ركلات ضائعة دون إغفال حالة التشتت الذهني للاعب.

السبب الرئيسي للكتابة حول هذا الموضوع يتعلق باستصغار البعض للفوز المرهون بركلات الترجيح، واستسهال الأمر وتعليقه بالحظ. ولعلَّني أعطيت بعض النماذج والصور التي تقع في ركلات الترجيح، ويبقى أن نتذكر أن الإيمان الحقيقي لا يُبنى على الحظ، بل على قدر كُتب لنا قد يكون حظا جيدًا أو عكس ذلك، والمهم كيف نتعامل معه كما تعامل محمود درويش مع الحظ السيئ؛ ليخرج لنا عشقه الكبير في أحد روائعه "أنا العاشق السيئ الحظ.. نامي لأتبع رؤياك.. نامي ليهرب ماضيَّ مما تخافين.. نامي لأنساكِ نامي لأنسى مقامي.. على أول القمح في أوَّل الحقل في أوَّلِ الأرضِ.. نامي لأعرف أني أحبك أكثر مما أُحبكِ.. نامي لأدخل دغل الشعيرات في جَسَدٍ من هديل الحمامِ.. ونامي لأعرف في أي ملحٍ أموت، وفي أي شَهْدٍ سأُبعث حيَّا.. ونامي لأحصي السموات فيكِ وشكل النباتات فيكِ.. وأُحصي يَديَّا.. ونامي لأحفر مجرى لروحي التي هربتْ من كلامي.. وحطَّتْ على ركبتيكِ.. لتبكي عليا".

تعليق عبر الفيس بوك