نساء الجاهلية كما لا نعرفهنّ

نوف السعيدي

وقعت مؤخرًا - بمحض الصدفة الجميلة - على كتاب بعنوان "شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام"[1] لبشير يموت. وبشير يموت كما تقول الويكيبيديا شاعر لبناني ولد في بيروت أيام الحكم العثماني وله مجموعة من الدواوين والمؤلفات والتحقيقات.

يستعرض الكتاب قائمة طويلة من شاعرات العرب وأشعارهن. الأمر المؤسف هو عدم توفر تراجم ثريّة للشاعرات أو تأريخ لمناسبات قول القصائد (إلا ما ندر)، لكن وبالرغم من ذلك لا يسع القارئ إلا أن يُلاحظ من خلال الأشعار المُخلدة كيف أن طبيعة الحياة في المجتمعات العربية القديمة ليست بالصورة التي نتخيلها، ومكانة المرأة بالذات ليست بالدونية التي تُصور لنا (لا أفترض سوء النية طبعا، بل ربما كان الشح في المصادر هو السبب). أذكر في هذا المقال خمس ملاحظات مع التشديد على أني أستند في ذلك على المصدر الوحيد الذي ذُكر سابقا.

1. التسمي باسم الأم: وهو أمر يصعب تفسيره، إلا إذا نظرنا للأمر على أنه "اسم شهرة" أو "لقب" تماما كما كانوا يُسمون استنادا إلى المناطق التي ولدوا فيها، أو لعيوب خلقية، أو لقصص ظريفة أو صفات عُرفوا بها. ومن الأمثلة على ذلك: السليك بن السلكة، وعمرو بن هند.

2. النساء مشاركات في المشهد الثقافي: فالشاعرات يردن الأسواق الأدبية كسوق عكاظ الذي تعرض فيه القصائد على محكمين من كبار الشعراء.

3. الجهر بمعارضة الزوج أو القبيلة: ونحن هنا لسنا بصدد إطلاق أحكام على مواقفهن، كل ما هنالك أننا نضعها باعتبارها ظاهرة ملفتة للانتباه حيث لا تكون الزوجة مجرد تابع بل فردًا له مواقفه المستقلة.

قالت هند بنت عتبة تعيب على قومها تعرضهم لزينب بنت الرسول عندما هاجرت إلى المدينة:

أفي السلم أعيار جفاء وغلظة/ وفي الحرب أمثال النساء العواركِ؟

ولما علمت أم قرفة بأنّ زوجها حذيفة بن بدر قد قبل دية ولدها قرفة من قاتله، ساءها ذلك فقالت ترثيه وتعيّر زوجها لقبوله الدية:

حذيفة لا سلمت من الأعادي/ ولا وقيت شر النائباتِ

أيقتل قرفة قيس فترضى/ بأنعام ونوق سارحاتِ؟

ولما عرفت بنت الضحاك بن سفيان بإسلام زوجها قالت تلومه:

لعمري لئن تابعت دين محمد/ وفارقت إخوان الصفا والصنائعِ

لبدلت تلك النفس ذلا بعزة/ غداة اختلافِ المرهفاتِ القواطعِ

4. اتخاذ أخلاء، وتسمية أخلائهن: هناك الكثير من الأمثلة في التراث الشعري تدلل على أن حضور المرأة في علاقة الحب ليس حضورًا سالبا، بل حضورا فعالا تكون فيه المبادرة أحيانا. من الملفت أيضا أنّ بعض الشاعرات لا يتحفظن على هوية أحبائهن، بل يجهرن بها حتى في الحالات التي يكون فيها الحب من "طرف واحد" كما نسميه اليوم. يمكن التدليل على ذكر من خلال أقول الشعراء الذكور، كقول أحدهم:

عيناكِ شاهدتانِ أنك من / حر الهوى تجدين ما أجدُ

بك ما بنا لكن على مضضٍ / تتجلدين وما بنا جَلَدُ

لكن الأمر يُصبح أوضح عندما يكون على لسان الأنثى نفسها. تقول الخنساء بنت التيحان متشوقة لحبيبها جَحوَش الخفاجي:

بنفسي وأهلي جحوشٌ وكلامه/ وأنيابه اللائي جلا ببشامِ

ألا إن وجدي بالخفاجي جحوش/ برى الجسم مني فهو نضو سقامِ

بل أن هند بنت الخُسّ تختاره على والدها، فتقول:

أشمُّ كنصل السيف جعد مرجَّلٌ/ شغفت به لو كان شيءٌ مُدانيا

وأقسم لو خيرت بين لقائه/ وبين أبي لاخترت أن لا أباليا

من القصص المثيرة قصة أم الضحّاك المُحاربية التي عرف عنها حبها الشديد لزوجها، وندبها هذا الحب بعد الطلاق. تقول:

سألت المحبين الذين تحملوا / تباريح هذا الحب في سالف الدهر

فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما / تبوأ ما بين الجوانح والصدر؟

فقالوا شفاء الحب حب يزيله / من اخر أو نأي طويل على هجر

أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما / رجت طمعا واليأس عون على الصبر

5. قول الأشعار في الأزواج، والأولاد والبنات والخيول في مناسبات الفخر أو الحب:

تقول ليلى العفيفة في وداع زوجها البّراق:

تزوّد بنا زادا فليس براجع/ إلينا وصالٌ بعد هذا التقاطع

وكفكف بأطراف الوداع تمتعا/ جفونك من فيض الدموع الهوامع

قالت زينب الغطفانية في فرسها الشقراء:

إذا حنت الشقراء هاجت لي الهوى/ وذكرني للحرتين حنينها

شكوت إليها نأي قومي وهجرهم/ وتشكو إلى أن أصيب جنينها

هامش: تحقيق وتنقيح وشرح: عبدالقادر، صادر عن دار القلم العربي، الطبعة الأولى 1998 سوريا



تعليق عبر الفيس بوك