عالقون في ضيافة الرَّحمن

 

 

 

 فايزة الكلبانية

 

faiza@alroya.info

 

ما أخذه البعضُ على وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، خلال الفترة الأخيرة، على وقع ما تعرَّض له عدد من الحجاج العُمانيين الذين علقوا في المنفذ البري الحدودي الإماراتي-السعودي، في رأيي يجافي الحقيقة ويجانب الصواب في العديد من جوانبه؛ إذ إنها لا تتعدى كونها ردودَ فعل "متعاطفة" (في أغلب الظن) مع أولئك القاصدين لبيت الله الحرام لأداء أعظم أركان هذا الدين الحنيف؛ إذ إنَّ قراءة متأنية لملابسات اللحظة تفنِّد تلك المآخذ والانتقادات.

 

فالأمر في مبتدئه، يعود إلى إعلان الجهات المعنية بالمملكة العربية السعودية منذ عامين، عدم قدرة الحرم المكي على استيعاب كافة أعداد الحجاج القادمين من خارج المملكة؛ بسبب أعمال التوسعة في المطاف؛ حيث إنَّ الطاقة الاستيعابية للمطاف كانت تستوعب في الساعة الواحدة في حدود 48000 طائف قبل البدء في تنفيذ المشروع، وبعد البدء تقلصت إلى 22000 طائف؛ وحينها وجَّهت الجهات المعنية هناك بتقليص عدد الحجاج القادمين من جميع الدول العربية والإسلامية بما نسبته 20% بصفة مؤقتة لحين استكمال مشاريع التوسعة؛ حفاظا على سلامة الحجاج والمعتمرين، وبموجب هذا التوجه تقلصت الحصة المقررة لحجاج السلطنة من 14 ألف حاج؛ ليصبح 11200 حاج. ومنذ ذلك التاريخ، طالبتْ وزارة "الأوقاف" أصحابَ الحملات بإتاحة الفرصة للمواطنين والمقيمين من الذين لم يؤدوا مناسك الحج خلال السنوات الخمس الماضية، وعدم تجاوز السقف المحدد من المملكة العربية السعودية.

 

إلا أنَّ البعض من أصحاب تلك الحملات والمقاولين (غير المصرح لهم)، لم يلتزموا -على ما يبدو- بتلك التوجيهات، سيما وأنَّ الأزمة الأخيرة تكشف عدم تقيُّد هؤلاء بالأنظمة والقوانين التي وضعتها الوزارة، والتي من بينها لائحة تنظيم حملات الحج الصادرة بالقرار الوزاري رقم (265/2007م) والمتضمنة "عدم جواز التصريح للعمانيين أو غيرهم ممن يقيمون بالسلطنة بالحج إلا عن طريق المرخَّص لهم من أصحاب حملات الحج العمانيين لموسم الحج 1434هـ"، وظل هذا الشرط ساريا حتى عامنا الحالي 1436هـ، لتسيير حملات الحج. وأنه على الحجاج العمانيين والمقيمين التأكد والتثبت من أن المرتبط به هو صاحب حملة معتمد من قبل الوزارة، ولديه تصريح رسمي لموسم حج 1436هـ، وأنه من الضرورة لحفظ الحقوق التوقيع على العقد الموحد بين الحاج وصاحب الحملة.

 

الغريب في الأمر أن تلك اللوائح والنُّظم و.... كلها تمَّ الإعلان عنها منذ عامين ومع بداية موسم التسجيل للحج، وأن العمل بها لا يزال ساريا لعدم زوال مسبباتها. وكون الأمر يصل إلى ما وصل إليه، فإنه يتطلب وقفة مسؤولة من الجميع؛ للوقوف على ملابسات الأمر، ومحاولة البحث عن علاجات تضمن عدم تكراره مرة أخرى. وأرى أن الأمر برمته يعود في أصله إلى ما يمكن تسميته "قلة الوعي"، فأهلونا ممن يعتزمون زيارة بيت الله الحرام، ما زالوا إلى الآن يُهملون الاطلاع على المستجدات فيما يخص موضوع الحج، ويتعاملون بـ"حسن نيَّة" مع أصحاب الحملات، ويتغاضون بطيبة العماني المعهودة (في مقابل زيارة بيت الله الحرام) عن مدى التزام أولئك المقاولين بالشروط والضوابط المعلنه من قبل الجهات المعنية (العمانية أو السعودية).. إلا أنه وللأسف كانت النتيجة ما لمسناه خلال الفترة الماضية من إحباط لنوايا الحجاج الذين وثقوا في هؤلاء المقاولين غير المعتمدين من أصحاب الحملات، ومضوا معهم عاقدين نية الحج، دافعين مبالغ باهظة -قد تفوق العادة والواقع مرات- ليتفاجأوا بعدم وجود تراخيص دخول بأسمائهم وحملاتهم؛ فكانت النتيجة عودتهم لديارهم دون إكمال غايتهم المنشودة، وكلهم آمال محبطة وأمنيات بمعجزة تغيِّر لهم وقع الخبر.. فيما لا يزال المئات مرابطين هناك على الحدود أملا في أن يجد بالأمور جديد.

 

وللإنصاف، فإن ما اصطلحتُ عليه بـ"قلة الوعي" لا يمكن أن يتحمَّله المواطن وحده، وإنما تشترك فيه أطراف كثيرة، على رأسها الإعلام، الذي يتحمل جزءًا من الأزمة من واقع مسؤوليته الاجتماعية التي تفرض عليه تكثيف الإعلانات التوعوية والتحذيرية بما يضمن وصول المعلومة إلى كل مقيم على هذه الأرض الطيبة، وبما يكفل رفع درجة الوعي بالشروط والضوابط المستجدة للحج، حتى يكون المواطن العماني على بينة بما له وما عليه حتى لا يقع فريسة لشباك أصحاب النفوس الضعيفة والطامعة من المغررين به.

 

إنَّ ما تعرض له بعض من حُجاجنا على وقع تلك الأزمة، يتطلَّب كذلك من الجهات المعنية دراسة متأنية للشكاوى والبلاغات المقدمة من الحجاج ضد أصحاب الحملات المرخصة وغير المرخصة، ودراسة البلاغات المقدمة ضد الحجاج القادمين لأداء المناسك بدون تصريح، وكذلك رفع المقترحات بشأنها؛ بما يضمن عدم تكرارها مرة أخرى.. وكل عام وأنتم بخير.

 

تعليق عبر الفيس بوك