سلطة الوهم

 مدرين المكتومية

هناك الكثير من الأوهام التي يسجن الإنسان حياته فيها، ويظل متقوقعا بها؛ فمثل ذلك الإنسان الكحولي والمدمن ممن يتوهم أنه لا يستطيع أن يعيش دون الإدمان، وهناك من يعتقدون أنّ حياتهم لا تمضي وتتوقف عند أمر معين، وهناك من يكرّس جل حياته لأجل أحدهم وبمجرد أن يرحل من عالمه يتعرض لصدمة قد تقلب حياته رأسا على عقب.. الوهم الذي يعشعش في دواخلنا وننسجه لأنفسنا كما تنسج العنكبوت خيوط منزلها، قد يحيل أجمل لحظات حياتنا التي نعيشها إلى تعاسة.. لماذا الوهم ومن هم الموهمون.. ؟ هم الذين ينطبق عليه المثل القائل "يكذب الكذبة ويصدقها".

وفي المصطلح يُعرف الوهم على أنّه تشوُّه يحدث للحواس، ويَكشِف كيف يُنظم الدماغويُفسِّر الإثارة الحسيّة. وعلى الرغم من أنّ الأوهام تُشوه الحقيقة، إلا أنّ كثيرا من الناس يشتركون فيها. فالوهم لكثيرين هو بمثابة هروب من واقع مر، أو من حياة زائفة، ويتناولونها كحبات "بندول نايت" في كل ليلة؛ ليتأكدوا أنّها موجودة فعلا وأنّهم غير موهومين بها كخلودهم للنوم تماما بشكل يومي.

هم يعلمون أنّ الحقائق ليست في ذلك، وأنّ ما يعيشونه هو مجرد شعور جميل خدعوا به أنفسهم وأعجبتهم الخدعة فاستمرأوا ذلك؛ ولكن صدمتهم الحقيقية تكمن حين يكشفها لهم الآخر؛ خاصه أن كان هذا الآخر هو شيء حقيقي يعيشونه، أو شخص يحبونه، يعتقدون بأنّه المكمل لهم، ويسعدون بقربه، في تلك اللحظة تبدأ رقعة الخيارات في الاتساع بين الترك والرحيل والندم، وبين الاستمرار والعيش في الخدعة التي عاشوا عليها عمرًا طويلا دون أن يزيل غشاوتها أحدهم.

نعم.. الحياة تعني الحرية، وتعني أن نعيش كما نشاء وكيفما نشاء، ولكن حريتنا تقف عندما نبدأ بإيذاء أنفسنا، وتغيّر حياتنا وتشوّه تاريخها.. تقف حريتنا عندما نجعل الوهم يسيطر على كل أفعالنا، ومجمل تصرّفاتنا، حتى طموحاتنا ونظرتنا للحياة تكون محدودة لأنها معلقة بغير الواقع، وبعيدة عن العقل، نعيش حلما مغلفا بزهور الجنة الدنيوية دون أن ندرك أننا إذا ما وقعنا من قمة تلك الأحلام سنرتطم بالأرض؛ والتي لن تكون نهايتها الموت دائمًا بل الحطام والعاهة الأبدية. لذلك من لا يحب عمله عليه أن يغيّره، ومن لا يحب السفر عليه أن يستمتع بما حوله والمتاح بجانبه، ومن يجد صعوبة في تقبل أمر ما فعليه أن يرفضه، ومن لا يجيد السباحة لا يركب البحر، ومن لا يجد متعة في الموسيقى لا يجبر نفسه على الاستماع لها لأجل أحدهم. عليك أن تختار ما يتوافق مع نظرتك وتطلعاتك بعيدًا عن الوهم القاتل الذي يحيل حياتك لجحيم حتمي. تستحق الحياة منك وقتا إضافيا لتقرر وتتخذ قرارات بعيدة عمّا اعتدت عليه، وبعيدة عن الانزواء في غرفة وحيدا والبكاء على التفاصيل التي يمكن تغييرها أساسًا، فما حياتنا إلا حصاد لناتج أفكارنا فعلينا ألا نسمح بمساحات من الخيال والأوهام تقرر مصائرنا، فما الحياة بمستقر وإنما دار انتقال.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك