الليالي المباركة وواقع المسلمين

عيسى الرواحي

يعيش المسلمون هذه الأيام أجواء إيمانية رائعة تتمثل في الأيام العشر المباركة التيأقسم الله بلياليها في كتابه العزيز حيث يقول تعالى):وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْر(الفجر:2-1 وهذه الأيام هي الأيام المعلومات التي خصّها الله بمزيد الفضل والبركة وشرع فيها اغتنام فضائل الأعمال والإكثار من ذكره حيث يقول تعالى : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير)الحج:27-26
وورد في السنة النبوية فضل هذه الأيام المباركة والحث فيها على فضائل الأعمال والإكثار من العبادات وصنوف القربات، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثمّ لم يرجع من ذلك بشيء).
ولا ريب أنّ مسرح فضائل الأعمال فسيح جدا لا يُقصر على باب معين، أو مجال محدد فحسب، وقد بين العلماء أنّ من فضائل الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يغتنمها في هذه الأيام تجديد التوبة، والصيام، والإنفاق في سبيل الله، والتكبير والتحميد والتهليل، والإكثار من صلوات النوافل، كما على المسلم أن يُحذر من اقتراف في المعاصي هذه الأيام وسائر الأيام، وأمّا يوم عرفة فقد ورد في صومه فضل عظيم، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) .
وحيث يعيش المسلمون هذه الأجواء الإيمانية في هذه الأيام المباركة، لا تزال أمة القرآن أمة الإسلام تعيش أسوأ مراحلها التاريخية، وأصعب حالاتها الإنسانية فقد كثر الدمار والخراب على بقاع شتى من بلاد المسلمين، وزادت حدة انتهاك المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف الذي تشد إليه الرحال والأراضي التي باركها الله من حوله، وعظم سفك الدماء والقتل والتشريد لمئات الآلاف من المسلمين، وتوسّعت رقعة الانقسام والفتنة والبغض والحقد والكراهية بين طوائف الملة المسلمة ومذاهبها التي جعل الله في اختلافها رحمة، ويقننا جازم لو أنّ أمة الإسلام تمسّكت بحبل الله المتين ونوره المبين وصراطه المستقيم وعملت بمقتضاه مطبقة أوامره ومجتنبة نواهيه؛ لما وصلت إلى حال الذل والهوان والتشرذم والهزيمة والانقسام التي تعيشها اليوم، ويقيننا جازم كذلك بأنّها لن تقوم لها قائمة ما لم ترجع إلى أصل عزّتها وسبيل هدايتها وموحد شملها ورافع رايتها المعجزة الكبرى والكتاب الخالد والوحي السماوي والمنهج الرباني والدستور الإلهي وهو القرآن الكريم، فبه تنال الأمّة عزتها ومجدها، وبه تسترد كرامتها ومكانتها، وبه تعيش سيدة مهابة بينالأمم والعالمين يقول الله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)الإسراء:9ويقول جل شأنه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز* لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد* مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيم* وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد) فصلت:44-41
ويؤكّد الرسول ـ صلى الله عليه سلم ـ حقيقة ألا خلاص من الفتن التي ستمر بها الأمة ولا مخرج ولا نجاة منها إلا بالرجوع إلى هدى القرآن الكريم، فقد ورد عن اﻹمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: (ستكون فتن كقطع الليل المظلم).
قلت: يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: (كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم)
وحيث إنّ القرآن الكريم به صلاح الأمة وهو سبيل نصرها وتمكينها في الأرض فجدير بمن زاغت بهم الأهواء وضلت بهم السبل وأعمتهم الضلالات من الحكام والقادة وولاة الأمر أن يوقنوا هذه الحقيقة الناصعة البياض ويعملوا بمقتضاها إذا أرادوا النصر والتمكين وعزة أوطانهم وشعوبهم.
وكما أنّ صلاح الأمة بهذا الكتاب الحكيم المعجز فبه كذلك صلاح الفرد وسبيل سعادته ونجاته من فتن الدنيا وعذاب الآخرة، ولما كان كذلك فحري بالمسلم أن يتمسّك بهذا الحبل المتين، وبما أن قلبه يتفطر كمدا على حال إخوانه المسلمين وما حلّ بهم في بقاع الأرض المختلفة، فليصلهم بدعائه في هذه الأيام المباركة، وليحذر أشد الحذر أن يكون وقود فتنة لما يراه ويسمعه من مصائب وأهوال في بلاد المسلمين... والله المستعان.
issa808@moe.om



تعليق عبر الفيس بوك