من يسدد فاتورة الانتخابات النسائية

د. سعيدة بنت خاطر الفارسي

لعلّ أسطورة التفاحة والغواية هي الأشهر عالميًا بين كافة الأجناس البشرية في العالم، وقد ارتبطت هذه الأسطورة بالأفعى والتفاحة ومظلوميّة آدم الذي أغوته حواء للأكل من الشجرة المحرمة، منذ ذلك العصر السماوي القصير جدًا في زمن التكوين، وإلى اليوميُحمِّل الرجل المرأة حكاية الخطيئة والطرد، ومظلوميته التي تعود لإغواء حواء له وهي التي انساقتْ لفحيح الأفعى في وسوسات 'بليس.

ولسنا في موضوع تحليلي لهذه الأسطورة التي تسقط تمامًا بسؤال واحد، وأين كان عقل الرجل عندما أغوته تلك التي خلقت أصلا من ضلعه الأعوج فنقص عقلها كما يتردد تكملة للأسطورة، فاذا كانت هي ناقصة عقلا فكيف للكامل عقلا أن ينجرف خلفها في أمر حذر منه مرارًا وتكرارًا!

شفى العالم من الخرافات منذ بزوغ عصر الصناعات في أوروبا وسيطرة الآلة وامتداد التكنولوجيا الجبارة لجميع القارات، لكنّ الذهنيّة الرجالية لم تشف من عقلية الوهم المريح،فيكفي أنّ أرمي بكل الذنب على تلك الشبيهة بالأفعى في نعومتها وسمها، كما تقدمها الأساطير، حتى ارتاح من الخطيئة المرتكبة سويًا من الأبويين وفقا للقول القرآني، والمرتكبة من الإغواء الأنثوي الشيطاني وفقا للقول التوراتي، يكفي أن يتكرر الاتهام للطرف الأضعف، كلما تكررتْ غواية التفاحة والخطيئة في كل وقت، فإن أجرم الرجل قال له المثل الفرنسي الشهير:Cherchez la femme(ابحث عن المرأة)حتى أصبحت قاعدة في القوانين الدولية عامة عند ارتكاب أية جريمة، إنّه موضوع قد يطول لكنّه باقٍ، وهو ينسحب على النظرة العامةللمرأة إلى اليوم.

المرأة العمانية تتقدم بوضوح وبخطى ثابتة وكفاءة علمية وكفاءة في القدرات الذاتية، وتميز في الشخصية، لكن من سينتخبها حتى وإن كانت الأفضل من حيث الشروط والصفات والبرنامج الانتخابي!!!من سيتسلح بالجرأة على ذاته وموروثاته وينتخبها، كيف ننتخب المخلوقة من ضلع أعوج حتى وإن كانت تلك المقولة مجرد أسطورة إسرائيليةتتناسب معتلك الذهنية التي لاتبيح للمرأة أن تدخل للمعابد لنجاستها، ومن ثمّ طردتْ مريم ابنة عمران من التعبد فيها.

إنّ الموروثات الذهنية لاتتغير بسهولة لأنّها كامنة في اللا شعور واللاوعي الجمعي، حتى المرأة لن تسهم في اختيار المرأة المرشحة، لماذا!! ليست لأنّ المرأة عدوةللمرأة كما يقال ويكرر من قبل الرجل، بل لأنّ الذاكرة الجمعيّةمشتركة للجنس البشري عامة.

صحيح أنّهناك مترشحات لعلّ معظمهن لسن على المستوى المطلوب، لكن في المقابل هل الرجال المترشحون كلهم على المستوى المطلوب، إذن لنسقط تلك الحجة.

يقال بأن المرأة ضعيفة، وأقول مجلس الشورى ليس مجالا للصراع الجسدي وإبراز العضلات والتبارز الصوتي، إنه مجال لصراع العقول وشحذ الأفكار ومناقشة الأنظمة والقوانين ومستجدات الأمورلما فيه الصالح العام لهذا الوطن،إذن لتسقط حجة أخرى.

يقال أنّ المرأة عاطفية متهورة في اتخاذ القرارات، ولم أسمع صوتا للعقل أبرز من صوت الملكة بلقيس عندما استشارت قومها في أمر التهديد الذي وصلها من النبي سليمان (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) فركن الرجال إلى منطق القوة والحرب (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) وركنتْ هي إلى منطق العقل (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34))سورة النمل، وهنا لتسقط حجة أخرى من حجج العقلية المغيبة.

قيل: المرأة ينقصها الفعل وتكثر الثرثرة،وما ذلك إلا لأنّالموروث الذهني، لم يشفع للنساء اللواتي وصلن لصنع القرار ويقر بذكائهن وصراعهن لاضد الرجل ، بل من أجل شعوبهن وطموحاتهن الحضارية، ويمتد هذا من سميرأميس وبلقيس إلى كليوباترة وزنوبيا وشجرة الدر وغيرهن، وهل هناك فعل وجرأة أكثر من تصرف شجرة الدر وإدارتها للصراع دون أن تخبر أحدا بأن الملك الصالح زوجها قد مات، وواصلت بمفردها التصرف في أمور البلاد، وركزت جهودها على صد الخطر الصليبي القادم من فرنسا،وهل هناك جرأة أكثر من طموحات زنوبيا تلك الملكة العظيمة التي حكمت أهمَّ ممالك الشرق وأخضعت لحكمها مدنَالشام وفلسطين وآسيا الصغرىحتى أنقرة ومصر وما بين النهرين، وكثيرا ما شكلت تهديدا لعرش روما، إلى أن وقعت في أسر الروم بالخديعة، لكنها رفضت التنازل والاستسلام، مفضّلةً الموت منتحرة (عن طريق تجرُّع السم) وأنهت حياتها بعزة وكرامة.

قيل إنّ المرأة ناقصة دين، مجتزئين الحديث كما يحلو لهم، رغم أنّ كبار الصحابة كانوا يسألون عائشة أم المؤمنين في كثير من الأمور الدينية، (ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما)لكننا نأخذ من الدين ما يناسب أهواءنا، وهل هناك اعتراف بعقل المرأة وتدينها من حالة الفقيهة العالمة عائشة الريامية التي أقالت إمامًا ونصّبتْ إمامًا غيره ممن خدم دينه ووطنه على خير وجه، إذن لتسقط حجج كثيرة وقفت ومازالت ستقف ضد أي طموح لدخول المرأة إلى المعترك السياسي.

ماذا تفعل المرأة العمانية وهي ترى المعارك الانتخابية تحولتلمعارك فعلا، وقد أتقنها الرجل لطول خبراته في هذا المجال،فهو صاحب مقولة (الغاية تبرر الوسيلة) ماذا تفعل المرأة المترشّحة وهي تعرف سلفا بأنّ الطرفين سيخذلانها رجالا ونساء ليس لعجزها ولالضعفها، بل لسيطرة ذلك الموروث الأسطوري الذهني على الرجل والمرأة على حد سواء.

ماذا ستفعل المرأة غير اجترار هزائمها المثخنة بالجراح عاما إثر عام، طالما هذه هي العقليات الذكورية، ليست في عمان ولا الوطن العربي، إنّها ظاهرة عالميّة لو نظرنا لأي برلمان في العالم، سنجد النسبة والتناسبمختلة، فكما قلتُ الأساطير ذاتها هي موروث جمعي إنساني عالمي.

هل يعني هذا أنني أشجع المرأة على التراجع، والرضا من الغنيمة بالإياب، طبعا لا يمكن، لقد خاضتْ المرأة معركتها المصيرية ووصلت إلى منتصف الطريق، والتراجع الآن بعد كل هذه التضحيات أمر يعيبها لا يزكيها، إذن لتخض التجربة إلى نهايتها فإن تكررالفشل، لن يكون هذا فشلها وحدها، بل هو فشل الرجل في المقام الأول عن الانحياز لمصلحة مجتمعه، لا لمصالحه الذاتية،وإن تكرر الفشل مرات ومرات فهو يعود إلى ذهنية المجتمعات ذكورا وإناثا وانحيازها إلى عالم الأساطير وتحالف الأفعى وأبليس والتفاحة في ثلاثية الغواية .

بعد كل هذه المصارحة نقول إنتحولات المجتمعاتالعربية من مجتمعات آخذة بأطراف التقدم والمدنيّة ومبشرة بالتنمية، في بداية القرن العشرين، إلى مجتمعات تسيطر عليها هيمنات كثيرة، كالهيمنة القبلية والهيمنة الدينية، والهيمنة الاقتصادية لمن يدفع أكثر، وهيمنة المصالح الذاتية على تلك المناصب التي تشكل سلطة سياسية وحصانة لأصحابها، ربما أكثر من السلطة المالية والدينية.

إنّ هذه التحولات تجعلنا كشعوب عربية نتجه يقينا إلى نظام المحاصصة (الكوتا) أي تحديد نسبة من المقاعد للمرأة تتنافس عليها المرأة بالانتخابات فيما بينها، وهو أيضا شكل من أشكال الانتخاب فرضتها صيغة المجتمعات العربية وتحولاتها المتراجعة للخلف،ونتيجة لهذا تحولت معظم المجتمعات العربية للكوتا لتمثيل المرأة في البرلمانات.

لسنا ضد الرجال مطلقا، ولكنّها قراءة لواقع التحولات في مجتمعاتنا.. قراءة تقول للجميع إمّا أن نتحوّل ونختار من الأصلح دون النظر إلى جنسه وقبيلته ومذهبه وانتماءاته، وندرك أنّه من العيب جدا لبلد مثل عمان يقدر الناس عمق حضارته وتحضر أبنائه وثقافتهم مما جعل الكثير يردد من خارج الحدود (عمان غير، عمان غير) أقول عيب علينا إناثا وذكورًا أن تمثلنا امرأة واحدةفقط في مجلس الشورى، وهوعيب أرجو ألاينجر على سمعة بلادنا في الخارج.

ولينظر الجميع ماذا نحن فاعلون لعمان أولا، وللسلطان ثانيا، هل سننتصر لتوجهات جلالته التي تؤمن بعطاءات المرأة ومقدرتها وحبها العميق لوطنها ومجتمعها واهتمامها بخدمته عبر كل المهن والوظائف، أم سننتصر لأهوائنا ومصالحنا الذاتية، ونستعجل قطاف التفاحة فجة غير ناضجة، لتسجل فيما بعد على فاتورة ذهنية الخطيئة والطرد، وكيدهن عظيم.

تعليق عبر الفيس بوك