مأساة اللاجئين السوريين

زاهر المحروقي

لم يَبْق شيء يُقال حول مأساة اللاجئين السوريين؛ فقد حفلت وسائل الإعلام -خاصة الأجنبية- ووسائل التواصل الاجتماعي بالعديد من المقالات والتحليلات، وهذا يصعِّب من مهمة الكتاب، خاصة إذا كان المقال متأخراً عن الحدث؛ ولكن الشيء المؤكد هو أن مقولة "مساعدة الشعب السوري الشقيق" التي رفعتها بعض الدول، قد سقطت في مستنقعات سحيقة أعمق من البحار التي غرق فيها اللاجئون السوريون، الذين عاشوا في بلادهم بأمان قبل أن تتدخل بعض دول الخليج في شؤون سوريا بحجة الدفاع عن حرية الشعب السوري؛ وهي الدول التي لا تسمح بأي نقد فيها، وتمارس الدكتاتورية بطرق أخرى أشد من مصادرة رأي الفرد؛ فبالرغم من غِنَى هذه الدول الفاحش إلا أنَّ هناك من يعيش في بيوت من الصفيح ويتسول لقمة عيشه، ممّا يجعلنا نطرح سؤالاً: ماذا لو أن سوريا -أو غيرها- تدخَّلت في شؤون هذه الدول الداخلية وطالبت بالحرية لشعوبها؟ ثم إن الشيء المؤكَّد الآخر -والذي لا يحتاج إلى نقاش- هو أن كلمة "اللاجئين السوريين" لم تكن موجودة قبل أن تأتي الجيوش من جهات الأرض الأربع لتحارب داخل سوريا، وقد كان الأوْلَى أن من تسبَّب فيها ويدَّعي أنه حريص على الشعب السوري أن يتولى هو ضيافة هؤلاء اللاجئين بدلاً من أن يذهبوا إلى أوروبا "الكافرة والعلمانية".

وبقدر ما اهتمَّت أوروبا "الكافرة والعلمانية" بمأساة هؤلاء اللاجئين، فإنَّ الأقلام "الكافرة" هناك اهتمَّت بالموضوع؛ حيث أفردت صحيفة الإندبندنت البريطانية في عددها الصادر الجمعة 4/9/2015، سبعاً من صفحاتها الأولى لتقارير ومقالات رأي حول مأساة المهاجرين السوريين، تحت عنوان لافت هو: لماذا يلوذ المهاجرون بـالكفار بدلاً من دول الخليج؟ وملأت الصحيفة صفحتها الأولى بصور بريطانيين متضامنين مع الساعين للجوء إلى أوروبا، في إطار التماس دعمته الأندبندنت للضغط على ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني لقبول المزيد من المهاجرين؛ وتحت عنوان "هل وصلت الرسالة يا رئيس الوزراء؟"، قالت الصحيفة إنه خلال قرابة الـ24 ساعة، اشترك قرابة الـ200 ألف شخص في الالتماس؛ وتساءل الصحفي روبرت فيسك عن سبب حرص المهاجرين على "التوجه إلينا نحن الكفار، طلباً للمساعدة" بدلاً من الذهاب إلى دول الخليج الثرية مثل السعودية، وقال فيسك إنَّ من بَيْن ملايين اللاجئين السوريين فضَّل مئات الآلاف عدم التوجُّه إلى لبنان وتركيا والأردن، بل الابتعاد أكثر في قوارب لمناطق أخرى غير الأرض التي عاش فيها نبيُّ الإسلام ونزل عليه فيها القرآن؛ "فاللاجئون لا يقتحمون شواطئ مدينة جدة على البحر الأحمر، مطالبين باللجوء والحرية في البلد الذي دعم طالبان وخرج منها أسامة بن لادن"، وقال إن الدافع وراء ذلك هو أن المهاجرين لديهم معرفة كافية بأن على الرغم من "ماديتنا وضعف تديننا، لا يزالان فكرة الإنسانية حية في أوروبا". وتساءل فيسك: "ديفيد كاميرون نكَّس العَلم في رحيل الملك السعودي عبدالله.. فهل يفعل الأمر ذاته من أجل الصغير آيلان؟".

حقيقة.. هناك مقالات صريحة وجريئة في انتقادها لدول الخليج التي تسبَّبت بصورة رئيسية في مأساة الللاجئين السوريين، وعمَّا قريب ستتحدث هذه المقالات عن مأساة اليمنيين التي سكتت عنها الجزيرة العربية، ومن يُلقِّ نظرة على هذه المقالات، يخرج بانطباع واحد، وهو أننا أصبحنا مادة للشماتة، بل أصبحنا مُسيئين للدين الإسلامي الحنيف، بكثرة الأحاديث التي تتحدَّث فقط عن المثاليات، مع تمثيليات البكاء في كل صلاة أو خطبة أو محاضرة، ولكن عندما يقع الجد فإن هؤلاء الشيوخ ينتظرون الإذن من الحكومة حتى يغيِّروا اتجاه دموعهم؛ مما يعني أن الكثير من المصطلحات قد سقطت وفقدت بريقها عند الكثيرين خاصة من المخدوعين؛ وربما يكون تقرير صحيفة (Market Oracle) البريطانية، بعنوان: "هل أظهرت أزمة اللاجئين السوريين أن ألمانيا أكثر إسلاماً من السعودية"؟، من التقارير التي تحدثت عن الواقع الأليم لبعض دول الخليج، وهو متاح لمن يرغب في متابعته، إذ اختصرت منه الكثير.. فقد أشارت الصحيفة إلى أن ألمانيا اتخذت موقفاً يخالف مواقف كثير من دول أوروبا، التي حشدت قواتها على الحدود لمنع تدفق اللاجئين، حيث أعلنت برلين استعدادها لاستقبال هذا العام 800 ألف لاجئ من بين مليون لاجئ يُتوقع وصولهم إلى أوروبا العام الجاري؛ وذلك بخلاف أكثر من 4 ملايين لاجئ، معظمهم متواجد حالياً في معسكرات اللاجئين بتركيا والأردن ولبنان، ومعظمهم يرغب في الهجرة إلى أوروبا. وتساءلت الصحيفة: ماذا عن الدول المسلمة الغنية بالخليج؟ وماذا فعلت في وقت يعاني فيه إخوانهم وأخواتهم المسلمون السوريون، وفي أمس الحاجة للمساعدة؟ وقالت إنَّ الإجابة جاءت من خلال تقرير لمنظمة العفو الدولية، أشار إلى أن دول مجلس التعاون، لم تعلن عن توفير أي أماكن لاستقبال اللاجئين، في الوقت الذي استقبلت فيه تركيا وحدها من اللاجئين أكثر من 10 أضعاف عدد المتقدمين بطلبات لجوء في كل دول الاتحاد الأوروبي، خلال السنوات الثلاثة الماضية، وذكرت أن ألمانيا تعهدت بتوفير 30 ألف مكان للاجئين السوريين، واعتبرت الصحيفة أنَّ تلك الإحصاءات تدل على أن السعودية وباقي دول الخليج مجرَّد مسلمين بالاسم، وأن الخطابات الدينية لشيوخهم لا تعكس حقيقة أفعالهم؛ وقالت صحيفة "Market Oracle" إن دول الخليج لعبت دوراً كبيراً في تدمير سوريا بدعمهم لأيديولوجيات متطرفة كـ"داعش"، ثم غضَّت طرفها بعد ذلك عن معاناة السوريين، لأنهم ليسوا عرباً خليجيين. وتساءلت الصحيفة: "هل يُمكن لدولة مثل السعودية التي تمارس الضغوط في وعظها لممارسة الدين الإسلامي لم تفعل شيئاً على الإطلاق تجاه اللاجئين السوريين، مقارنة بأمة مسيحية مثل ألمانيا التي أظهرت مزيداً من التعاطف؟!

ويذكُر الكاتب مالك التريكي حكاية لها مغزاها عندما قال: إنَّ القائمين على برنامج "عالم الظهيرة" في إذاعة الـ"بي.بي.سي"، عندما عرضوا استضافة متحدثين باسم سفارات بعض الدول الخليجية في لندن، للإجابة عن السؤال الكبير: "لماذا لا تساهم حكوماتكم في إيواء اللاجئين السوريين؟"، لم يجدوا من يقبل الدعوة، ولكنهم عوضاً عن ذلك تلقوا ردًّا من السفارة الكويتية في شكل بيان كتابي يشرح أن حوالي ثلثي المقيمين في الكويت هم من الأجانب، وأن كثيراً منهم هم في الأصل ممن فروا من مناطق الحروب والنزاعات، وأن الكويت هي من أسخى الدول في مجال تقديم المساعدات للاجئين؛ وقد حاول البرنامج تدارك مسألة نقص المتحدثين الخليجيين باستضافة سفير بريطاني سابق في السعودية، فتمكن بلباقة الدبلوماسي المحنك من تمرير رسالتين: الأولى أن ملايين الأجانب يقيمون في السعودية، وأن كثيراً من هؤلاء هم من العرب؛ ثانيا: أنَّ اللاجئين السوريين يفضلون التوجه إلى أوروبا، ولم يحدث أن قدَّم أيٌّ منهم طلب لجوء في الخليج.

إنَّ موقفاً كهذا يُظهر المأزق الكبير الذي وقعت فيه هذه الدول، فإذا كانت قد تسببت في ظهور مشكلة اللاجئين، فإنها لم تستطع أن تساعد في إيجاد حل لها، مع الكثير من الادعاءات عن الدين والرحمة والإنسانية، بفضل الجيش الجرار من الشيوخ والوعاظ والإعلام، ولكن هذا لم يعد ينطلي على أحد، فسياسةُ "الشيكات المفتوحة" قد ولى زمانها مع هذه القفزة الكبيرة في الإعلام العالمي، أما من رضِي أن ينخدع بالأمر متروكٌ له؛ وليس أدل على ذلك من أن الخطاب الإعلامي في أوروبا أصبح يركز كثيراً على إثارة غياب الدور العربي والإسلامي في حل قضية اللاجئين السوريين.

... إنَّ الأمة العربية تعيش وضعاً مقلوباً الآن، بعد أن تراجعت الدول الأساسية في الأمة إلى الصفوف الخلفية، مثل مصر وسوريا والعراق، وأصبح أصحاب المال العربي يديرون الأمة بأموالهم؛ فتجدهم وراء كل أزمة في الوطن العربي، وهم يدرون أنَّ الدور قادم عليهم لا محالة؛ ومن المفارقات العجيبة أن سوريا التي احتضنت العرب وآوتهم واحتضنت المقاومة الفلسطينية، يعبث بها الآن أصحاب المال، لكن الله سبحانه وتعالى له سننه التي لا تتخلف أبداً، فيبدو أن خرائط الغد في المنطقة بدأت تتشكل، خاصة بعد العدوان على اليمن، فربما لن تكون هذه الدول في غضون الـ20 سنة القادمة موجودة بشكلها الحالي، ففي النهاية إن هذه الدول حملت لنفسها معاول هدمها.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك