وجود أخطاء لا يبرر تمجيد زعماء دول أخرى!

صالح البلوشي

تابعتُ خلال الأيام الماضية -للأسف الشديد- بعض الصور والمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، تناشد -بصورة كاريكاتيرية- زعيم دولة آسيوية عُرف بالقوة والبطش من أجل المجيء إلى السلطنة، ومشاهدة الشوارع العمانية بعد الأمطار التي هطلت يوم الجمعة الماضي، وتسببت في تجمع المياه في بعض الشوارع، وإغلاق بعضها، وهذه المنشورات -وإن بدت ساخرة في طريقة عرضها وكتابتها- إلا أنها للأسف تقدم رسالة سلبية جدا سواء للمواطن العماني أو للخارج بأن الوضع في عمان -لا قدر الله- بات سيئا جدًّا من ناحية الخدمات، حتى بات الوضع لا يمكن السيطرة عليه إلا بحضور ذلك الزعيم الآسيوي المعروف بدكتاتوريته ودمويته.

لا شك أنَّه ومن المهم أن تكون هناك انتقادات لبعض المؤسسات الحكومية والخاصة في حال وجود تقصير أو إهمال في ممارسة أعمالهم؛ فهذه حالة صحية لتطوير خدماتها وأدائها، وخدمة المواطنين بشكل أفضل؛ ولكن أن يتضمَّن النقد دعوة لزعيم دولة أخرى من أجل الحضور إلى السلطنة ومعاقبة المسؤولين؛ فهذا مرفوض لأنه يتضمن إشارة إلى أن ذلك الزعيم الآسيوي أدرى بمصالح عمان، ولا أتصور أن هناك مواطنا عمانيا واحدا يرضى بذلك، وطبعا لا أستطيع هنا أن أكتب مقارنة بين مولانا صاحب الجلالة المعظم -حفظه الله وأمد في عمره- وبين ذلك الزعيم أو غيره لأسباب مختلفة؛ منها: أن السلطنة تحترم خصوصيات الدول الأخرى وشعوبها وأنظمتها السياسية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننتقص من أية دولة أو زعيم لمجرد الرد على بعض المنشورات الساذجة التي كتبت في سياق ساخر -ولكنه خاطئ في نظري- ولكن أود أن أشير إلى أنَّ أصحاب هذه المنشورات لا يعرفون تاريخ وسيرة هذا الزعيم الآسيوي وأسرته التي تحكم البلاد منذ أن كان جده رئيسا لوزراء البلاد منذ سنة 1948 وحتى وفاته سنة 1994، فبعد وفاته وخلافا للأنظمة الجمهورية التي تؤمن بنظام الانتخاب في منصب رئيس الجمهورية، انتقل الحكم إلى ابنه الذي استلم جميع المناصب التي كانت لوالده قبل وفاته عدا مسمى "رئيس الجمهورية" الذي ظل للرئيس السابق، الذي منح حسب الدستور هناك لقب "الرئيس الأبدي"، وبعد وفاة الابن بسكتة قلبية وهو يركب القطار الرئاسي باتجاه مدينة بيونج يانج سنة 2011 تم تنصيب ابنه -الزعيم الحالي- زعيما للبلاد، وقد عرف عن هذه الأسرة الحكم الدكتاتوري الشيوعي الشمولي الذي لا يزال يحكم بقبضته الحديدية البلاد إلى اليوم، وأتمنى ممَّن يتغنَّى مديحا بهذا الزعيم أن يقرأ سيرة هذا الرجل وأبيه وجده مع الأصوات المعارضة التي هربت إلى خارج البلاد بعد أن ضاقت ذرعا بالقبضة الأمنية المتشددة التي منعت المواطنين من الحديث إلا عن مناقب الزعيم حبيب الفقراء وأب اليتامى وناصر المظلومين أو الدعاء إلا بشكر الله على هذه النعمة الأبدية الخالدة التي منحت الشعب والبلاد هذا الزعيم الذي عقمت النساء في جميع العصور والدهور أن يلدن مثله.

ومن خلال متابعتي لبعض هذه المنشورات، فقد لاحظت أنها أخذت جانبا متطرفا في النقد السلبي، وكان الأحرى بأصحاب هذه الكتابات أن يكونوا أكثر عقلانية واتزانا في التعاطي مع هذا الحدث والأحداث الأخرى، وكأنهم كانوا ينتظرون فرصة لانتقاد الحكومة والمسؤولين فجاءتهم على طبق من ذهب. نعم، لا أحد ينكر أن هناك إهمالا وتقصيرا من جانب بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية، خاصة في بعض الجوانب الخدمية، مثل عدم وجود شبكة لتصريف المياه في البلاد حتى الآن؛ مما جعل المواطن العماني يتوجس خيفة بعد كل حالة مناخية تتعرض لها السلطنة، خوفا من غرق الشوارع والاختناق المروري التي تتسبب أحيانا كثيرة في إصابة حركة المرور بنوع من الشلل التام؛ لذلك فأنه من الضروري أن تعالج هذه الجوانب بالمساءلة والمحاسبة من الجانب الحكومي، وبالنقد الإيجابي البناء من الرأي العام وليس بالسخرية والشتائم ووضع صور مسؤولين من دول أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك