لنستحِ جميعًا!

أحمد الرحبي

هل كان بالإمكان تلافي هذا المصير لو كان في الأمّة العربية ذرة حياء وبعض استجابة في جسدها للحياة لا للموت؟ هل كان بالإمكان تلافي المصير الذي تعرض له طفل ملائكي -بطل الصورة- بطولة عاشها إلى آخر نفس - التي صدمت العام وجعلته لوهلة يتحسس ضميره - وغرقه في بحر طام غدار، وهو طفل لا يعي بعد بأنّ الغرق هو أمنية الماء، برغم أنّ ما هرب منه من أهوال حرب لم تبق حجرًا فوق حجر، لا يقارن بما لقيه من مصير مأسوف، ولا يعي كل مجمل التفاصيل عن مسار التيّارات وحركة الرياح التي ترج البحار وتجعلها غير مستقرة ومتقلبة المزاج، ولا يعي أيضًا بنفس القدر بأنّ مقولة طارق بن زياد "العدو من أمامكم والبحر من خلفكم" التي كان لو عاش ستلقن له أو يجدها مطبوعة في منهجه المدرسي، لا يعي بأنّ هذه المقولة التي كانت مفخرة كتب التاريخ العربي والمناهج المدرسية العربية، قد تغيّرت هذه المقولة أو تمّ عكسها: البحر من أمامكم والعدو من خلفكم، وبما أنّ عداوة أمّته وأعداء القرابة والحليب والدم ظلوا يسعون إليه من خلفه بكل حقدهم وهمجيّتهم متسلّحين بكل حرابهم وسيوفهم المسمومة، فقد لاذ بأحضان البحر مستجيرا به، مستلقيًا على شاطئه كما يحدث في نزهة صيفية لكل طفل من أطفال العالم الذين يعشقون شمس البحر ورماله الذهبية، فهنيئا له في نومته وليقر عينًا فهو أكثر حياة وأوفر عافية، من أمّة تم إعلان موتها وتأبينها في كل المنابر والمحافل، ذلك لأنّها فقدت الخجل والحياء.

***

لتستحِ كل رياض الأطفال في الوطن العربي.. ولتستحِ كل كتب الأطفال في الوطن العربي فهي كتب أفّاكة ومسيّسة في كل حرف وصورة تحتويها.

***

ليستحِ أدب الطفل في الوطن العربي، إن كان هناك أدب للطفل أصلا في الوطن العربي، لأنّه أدب لا يخرج عن ثنائية الحاكم والمحكوم.

***

لتستحِ قنوات الأطفال وبرامج الأطفال العربية المتاجرة برغبات الطفل العربي وعالمه الطفولي والمتآمرة على الطفولة.

***

لتستحِ كل أقسام الولادة في مستشفيات الوطن العربي فهي مجرد أماكن تفريخ وحاضنات أيديولوجيّة تنتج جنودًا مستجدين لرفد جبهات الاقتتال الطائفي والمذهبي.

***

ليستحِ الحليب العربي فهو قد أصبح منتجًا شديد السميّة مهددًا لصحة الإنسان.

***

لتستحِ الرضاعة العربية التي تتاجر في دهاليز السياسة، وتعرض الحليب دائمًا مغشوشًا بالماء، ومخلوطًا بالنجيع.

***

لتستحِ الأخوةّ في الرضاعة في الوطن العربي فهي أنتجت أبناءً من الدرجة الثانية والثالثة وحتى العاشرة، وأنتجت الأخوّة الأعداء في حفلة الدم العربي.

***

ليستحِ النظام العربي الأمني السياسي الاجتماعي الديني، الذي يجتمع بكامل قيافته في حفل شواء الطفولة العربية متلذذًا بأكل لحم الأطفال وشرب دمائهم.

***

لتستحِ السياسة العرجاء في الوطن العربي التي خلعت كل الحياء والخجل عن وجهها بعد أن ظهرت سافرة عارية، والتي بعد عهرها المديد في علب ليل التآمر والغدر العربي، ها هي تخلف أطفالها بعد أن تخلصت منهم بشكل قسري غادر، جثثا منتفخة على شواطئ بحر الروم.

***

ليستحِ الدين الموسوس من النجاسة والخبائث، المشغول بقضايا الحيض وإرضاع الكبير وإسبال الثوب، الساجد الراكع على جثث الطفولة العربية.

***

فلنستحِ جميعا شعوبا وطوائفَ وفرقا ومذاهبَ، نحن الذين أصبحنا في الحقيقة ليس سوى فراغ يشغل فراغا من الماء إلى الماء، فراغ نملؤه بصخب حروبنا الصغيرة ومؤامراتنا والاقتتال بين بعضنا بعضا.

***

لنستحِ ونخجل جميعا، فإنّ فقد الحياء والخجل التي تؤكده وتشكل قرينة عليه بلا مجال للشك صورة جثة الطفل الملقاة على الشاطئ الثمل بنوم هانئ، وهازئ في نفس الوقت من أمة ميتة.

تعليق عبر الفيس بوك