التنوّع الثقافي الطريق للتعايش العالمي

خلفان العاصمي

يشكّل التنوع الثقافي وعلى المستوى العالمي قوة محركة للتنمية الشاملة، وليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل أيضا كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفيّة ومعنويّة وروحية أكثر اكتمالا بين شعوب العالم بمختلف أجناسها وثقافاتها وأبعادها الدينية والعرقية، حيث يعد ذلك من أهم البنود التي نصّت عليها اتفاقيات الثقافة السبع التي توفر ركيزة صلبة لتعزيز موضوع التنوع الثقافي، والذي يعتبر ميزة ضروريّة للحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة في الوقت ذاته، إذ يساهم القبول بالتنوع الثقافي على المستوى العالمي والإقرار به - عبر الاستعمال الإبداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل خاص- في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات وفي بلوغ الاحترام والتفاهم المتبادل مع الآخر، وقد تحوّل تعزيز التنوّع الثقافي "التراث المشترك للبشرية" وفقا للإعلان العالمي لليونسكو المتعلق بالتنوّع الثقافي للعام 2001 والحوار الناتج عنه إلى إحدى القضايا العصرية الأشد إلحاحا، وبالتالي إلى قضيّة أساسيّة بالنسبة لمنظمة اليونسكو والتي عنيت بدعم التنوع الثقافي عناية كبيرة من خلال العديد من الاتفاقيات والبرامج التي تخدم هذا الجانب ولعلّ أبرز هذه الاتفاقيات هي اتفاقية 2005 حول حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، والتي تمّ اعتمادها من قبل المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت في شهر أكتوبر من عام 2005م، وتهدف بشكل عام إلى حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي واحترامه، وتشجيع الحوار بين الثقافات، وتهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلآ حرآ تثري من خلاله بعضها البعض، حيث يصب كل هذا في صالح دعم وتحقيق التنمية المستدامة باتخاذ تدابير تشجع على قيام صناعات ومشاريع ثقافية تساهم في بناء وتعزيز القدرات الإنتاجية فيها، و يتضح ذلك في تأكيد المؤتمر العام لليونسكو على أنّ التنوّع الثقافي هو سمة مميزة للبشرية وأنّ التنوع الثقافي يشكل تراثا مشتركًا لها، وينبغي إعزازه والمحافظة عليه لفائدة الجميع، كما أنّه يخلق عالما غنيا ومتنوعا تتّسع فيه نطاق الخيارات المتاحة وتتعزز فيه الطاقات البشرية والقيم الإنسانية، ويشكل ركيزة أساسيّة للتنمية المستدامة للمجتمعات والشعوب والأمم.

حرصت السلطنة على المصادقة على هذه الاتفاقية بعد سنتين من التوقيع عليها وذلك إيمانا منها بأنّ التنوع والتباين الثقافي هو أمر لا يمكن تجاهله في هذا العالم الشاسع، وأنّ القيم الإنسانية لا بد من احترام مبادئها، إذا ما أردنا من المجتمعات أن تقبل بعضها البعض، ونظرا لما نصّت عليه المادة الثامنة عشرة من الاتفاقية حول إنشاء صندوق يعرف باسم الصندوق الدولي للتنوع الثقافي ويهدف إلى تعزيز وجود قطاع ثقافي حيوي في البلدان النامية التي هي أطراف في الاتفاقية ولا يقتصر دعمه على مشاريع المجتمع المدني فقط، بل حتى المشاريع الحكوميّة، حيث يقوم بتمويل برامج مختلفة كالدورات التدريبية في مشاريع الإنتاج الثقافي للعاملين في مؤسسات المجتمع المدني، الذين يفتقرون لإدارة الفعاليات، ودورات تؤهل المشتغلين على التنوع، ومساعدتهم في إيجاد رؤى جديدة لتفعيله، كذلك إعداد الخطط والسياسات الثقافية المعززة للتنوع الثقافي وبناء القدرات في هذا المجال، وتعزيز أو إنشاء صناعات ثقافية جديدة، وشكلت السلطنة فريقا وطنيا يهدف إلى بحث السبل المثلى لتفعيل مشاركة السلطنة في الصندوق الدولي للتنوّع الثقافي، ومخاطبة الجهات الثقافيّة المعنية ودعوتها لتقديم مشاريعها المناسبة، فور تلقي الدعوة من قبل اليونسكو، وفرز المشاريع المتلقاة وإعادة صياغتها وفقا لما هو مطلوب حسب الأسس والمعايير المعمول بها من قبل المنظمة، والاستفادة من الخبرات المحلية والإقليمية والدولية للقيام بذلك، وكذلك إرسال المشاريع التي تنطبق عليها المعايير إلى المنظمة بعد القيام بالتقييم المبدئي، إضافة إلى اقتراح برامج ومشاريع محلية في مجال دعم التنوع الثقافي على المستوى الوطني، والترويج لاتفاقية (2005)، وإعداد كافة التقارير المطلوبة لمنظمة اليونسكو والمتعلقة بالصندوق الدولي للتنوع الثقافي حيث قام هذا الفريق مؤخرا بتدريب عدد من العاملين بالقطاع الثقافي على كيفية استيفاء الاستمارات الخاصة بالتقدم لمشاريع الصندوق، مما يسهم في قبولها واعتمادها من قبل لجنة خبراء الصندوق، والخروج بقائمة مشتركة لمشاريع محلية تعنى بقضايا التنوع الثقافي ذات فائدة قصوى وأولوية عاجلة.

تعليق عبر الفيس بوك