خواطر وهموم تثيرها ورشة التكامل الاقتصادي العربي

عبيدلي العبيدلي

أثارت أوراق أول ورشة من "ورش العمل التحضيريّة الخاصة بالتقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية"، التي تنظمها "مؤسّسة الفكر العربي"، الخاصة بموضوعة "التكامل العربي: الأبعاد الاقتصاديّة"، الكثير من الخواطر والهموم، التي أشعلتها مواد تلك الأوراق، والنقاشات الثرية التي دارت حولها، والتي يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:

1.طالما أنّ الصناعة بمعناها الواسع تشكل رافعة تاريخية مهمة وفاعلة في تمهيد الطريق أمام أيّ عمل جاد للتكامل الاقتصادي العربي. وبما أنّ العرب يدركون، تأسيسًا على ذلك، أن تشن القوى الخارجية، دولاً وشركات احتكارية حروبًا ضروس من أجل محاصرة المشروعات الصناعية وقتلها في المهد، أو تشويهها وحرف مساراتها عند فشل محاولات الحصار والتطويق، فما الذي يمنع العقول العربية، وأصحاب القرار من إعطاء الصناعة الاهتمام الذي تستحقه، كي يخرجوا أنفسهم من عنق زجاجة التبعية للاقتصاد العالمي، ويتخلصوا من أنياب الاحتكارات العالمية التي تصر ليس على إبقاء الاقتصاد العربي مجزئًا وغير متكامل فحسب، وإنما على الاستمرار في تبعيته لتلك الاحتكارات والخضوع لقوانينها غير العادلة بحق ذلك الاقتصاد؟.

2.إذا كانت المدارس الاقتصادية المختلفة تجمع على المخاطر التي يولدها الاقتصاد الريعي، وهو النمط الاقتصادي السائد عربيًا، سواءً على مستوى تفريخ قيم طفيلية تسيطر على السلوك الجماعي للقوى المجتمعية المنتجة لضمان شل قدرتها الإنتاجية أو الإبداعية، أو على صعيد اخضاع الاقتصاد الوطني في إطاره المحلي الضيق، أو القومي الأوسع، لنفوذ الرأسمال الدولي، أو الاحتكارات العابرة للقارات، بما يضمن وعورة طريق التكامل العربية، وعدم خلوها من المطبات التي تُعيق خطط التكامل الاقتصادي العربي، وتشل حركة من يضعونها، فما هو الحاجز الذي يحول دون تمرد العرب على هذا النمط من الاقتصاد، والتحول بعد اقتلاع جذوره، نحو اقتصاد منتج، يكفل تنامي الاقتصادات العربية، وتعزيز مساراتها التكاملية؟ ويحضرني هنا ما كتبه الباحث محمد نبيل النشمي عند محاولته تسليط الضوء على مخاطر الاقتصاد الريعي قائلاً "من أشد تداعيات الاعتماد على الدخول الريعية وضع الاقتصادات تحت رحمة المتغيرات الخارجية والداخلية بمعنى أنّ أيّ هزة تصيب حركة التجارة الدولية تنتقل بسرعة إلى اقتصادات الدول الريعية وكثيراً ما تحدث هزات اجتماعية شديدة الوطأة كون أنّ هذه الاقتصادات رخوة ولا تستند إلى قول إنتاجية صلبة، ذلك أن بنية الاقتصادات الريعية هي في واقع بنية غير إنتاجية".

3.بما أنّ الكثير من المحللين الاقتصاديين العرب قد أشاروا عندما تناولوا مسببات "معوقات الاستثمار البيني العربي"، وهو الركيزة الأساس لأي مشروع يطمح لتحقيق أي شكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي، إلى استمرار انعدام الثقة بين القطاعين العام والخاص، مؤكدين على أنّه عند غياب الثقة المطلوبة، تتعثر مشروعات التكامل، وتحل مكانها العقبات والمشكلات، وهذا ما تشير له ورقة بيان هاني حرب "دور القطاع الخاص في دعم التشغيل وتنمية الموارد البشرية"، المقدمة إلى "المنتدى العربي حول الدور الجديد للقطاع الخاص في التنمية والتشغيل في الوطن العربي"، حين يلخص"أهم معوقات الاستثمار البيني العربي"، مشيرًا إلى أنّ "النقص في الشفافية المرتبطة بالأحكام والقوانين والإجراءات لدى عدد من الدول العربية مما يؤدي إلى انخفاض الثقة بين القطاعين العام والخاص". ترى ما هو السر الحقيقي الكامن وراء استمرار انعدام الثقة هذا؟.

4.عندما نتجاوز القطاع الخاص، ونصل عند الحكام العرب، ودوائر صنع القرار المحيطة بهم، تتكشف أمام المدقق في نوايا من يسيرون دفة الحكم العربية، تراجع الحكام العرب عن مسؤوليتهم في مشروعات التكامل الاقتصادي العربية، لكنهم غير صادقين في ذلك بفضل عدم الثقة المتبادلة فيما بينهم. ومالم يتم إزالة عدم الثقة هذا، فمن غير المنطقي الحديث عن أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك، وخصوصًا في الجانب الاقتصادي. ترى ماذا ينتظر العرب وكيف تزول حالة عدم الثقة هذه؟.

5.إذا توقفنا عند الاستثمار الطفيلي في العقارات، فسوف نكتشف اللهث المحموم وراءه نظرًا لدورة الربح السريعة ذات النسبة الفاحشة، التي شجعت الباحثين عن أرباح وفيرة سريعة مما أدى إلى انصراف الرأسمال العربي عن الاستثمار الصناعي والتحول نحو القطاع العقاري، لكن ليس في الأماكن التي يحتاجها المواطن، ولكن في تلك التي تحقق أعلى نسبة من الأرباح، التي تصل في أحيان كثيرة إلى أرقام خرافية. وأخطر ما في الأمر هنا، هو تلك الطبقة الطفيلية التي أفرزها هذا النوع من الاستثمار، والتي تضاعفت سلبية سلوكياتها الاجتماعية، بفضل تداعيات نمط الإنتاج الريعي على سلوك تلك الطفيليات. والسؤال هنا لماذا لا تشجع الحكومات العربية الاستثمار في القطاعات المنتجة بدلاً من التهافت على تلك الطفيلية؟.

6.وعندما نصل إلى الظواهر السلبية التي تفرزها العمالة الآسيوية الوافدة المنتشرة في دول الوفرة النفطية، سواء في منافستها لليد العاملة العربية التي تعاني من تفشي نسب البطالة العالية في صفوفها، أو للإفرازات الاجتماعية والثقافية التي تجلبها معها من الدول التي تنتمي لها، سنضع أيدينا على أحد جروح الاقتصاد العربية عصية الشفاء. وقد لفت بعض المشاركين في الورشة إلى خطورة تأثيرات العمالة الوافدة السلبية على اللغة العربية، وربما من المفيد هنا الإشارة إلى دراسة حول هذا الموضوع تطرق فيها الباحث سعيد حارب، إلى أن إحدى الظواهر الخطيرة التي أفرزتها العمالة الآسيوية في الخليج، هي التدمير البطيء للغة العربية حيث بات " 80% من أبناء الخليج متعثرون في القراءة، و75% منهم يستخدمون اللغة الإنجليزية في تعاملاتهم، فيما يخطئ 95% منهم في اللغة العربية". ويحذر حارب هنا "من خطورة استقدام مثل هذه العمالة، وانعكاساتها، ليس فقط على مستقبل اللغة العربية، ولكن على مستوى الهوية العربية ذاتها، باعتبار اللغة مُكَوِّنًا رئيسًا للهوية العربية". ولا يمكن فصل ذلك، بطبيعة الحال عن أيّ مشروع تكاملي عربي، حتى في إطاره الاقتصادي، فاللغة، كما تؤكد كل الدراسات، هي الحاضنة الناطقة التي تنسج العلاقات بين أفراد المجتمع الذين يتحدثونها، ومن ثمّ فهي الإطار الذي يحدد القنوات التي تسير العلاقات فيما بينهم، ومن بينها العلاقات الاقتصادية، التي بدورها تؤثر على أيّ مشروع للتكامل الاقتصادي العربي. ولا مناص من مساءلة نظام العمل العربي ما الذي يمنعه من وضع حدٍ لهذه الظاهرة؟.

تعليق عبر الفيس بوك