معاناة المصلين مع صلاة الجمعة

زاهر المحروقي

أصبحت صلاة الجمعة تشكل همّاً ثقيلاً على المصلين؛ ففي الوقت الذي ارتفعت فيه درجات الحرارة هذا الصيف بشكل كبير، أصبحت الجوامع لا تكفي للمصلين نظراً لتزايدهم، بعد أن تمّ توحيد الإجازة الإسبوعيّة للقطاعين العام والخاص فأصبح العمال الأجانب هم الأكثرية من المصلين؛ هذا غير موضوع الخطبة وطولها وطريقة الأداء، ممّا يجعل المصلين يتذمرون، فيعودون إلى بيوتهم بعد الصلاة وقد ازدادوا ذنوباً بدلاً من أن يتطهروا منها؛ لأنّ معظم الخطب ليست إلا مجرد دروس يستطيع طلبة العلم أن يلقوها في أيِّ وقت، فلم يعد هناك فرق بين الخطبة والدرس والموعظة.

لقد ملّ الناس - في الوطن الإسلامي كله- من سماع كلام مكرر أكثر من 1400 سنة، لذا فإنّهم لا يتفاعلون مع الخطب لأنها غالباً تكون في واد والواقع في واد آخر، لدرجة أنّ هذه الخطب على مدى هذه السنوات الطويلة، لم تصلح أو تغير من أخلاق الناس، ولم تزرع فيهم المحبة والمودة والرحمة، ولم تجعل من الناس أمة منتجة؛ إنما كانت نتائجها عكسيّة بأن أنتجت "إرهابيين" يقتلون باسم الله، أمّا عن سوء الأخلاق، فنستطيع أن "نحدّث ولا حرج"؛ فالضجةُ الكبيرة التي أثيرت هذا الصيف عن سوء أخلاق السواح العرب في أوروبا وفي كلِّ مكان كانت خير دليل على أنّ تلك الخطب لم تؤد دورها أبداً، والأغرب من ذلك أن نأخذ مقلباً في أنفسنا ونظن أننا الأفضل في العالم، لأنّ فضيلتنا الوحيدة هي أنّ لدينا مالاً نستطيع به أن نصطاف في أيِّ مكان في العالم، وبهذا المال نستطيع أن نفعل أيَّ شيء ونشتري أيَّ شيء، فيما كان المسلمون الأوائل خير سفراء لهذا الدين بأخلاقهم ومعاملتهم للآخرين، في وقت نرى فيه أنّ أبناء كثير من الجنسيات استطاعوا الآن أن يتبوأوا مراكز عليا في العلوم والفنون والإدارة في الدول المتقدمة، بفضل اهتمامهم بالعلم، وهم الذين لا يستمعون إلى هذا الكم الكبير من الخطب أسبوعياً، هذا بخلاف المحطات الدينية والأحاديث والمحاضرات المكررة والمملة.

أنا من المؤيدين أن تشرف الحكومة على أمر خطب الجمعة حتى لا تكون منابرنا أماكن لبث السموم وزرع الفتن؛ ولكن الذي أراه هو ضرورة أن تكون الخطب تحمل رسالة، وبأسلوب غير إنشائي، مع الاختصار الشديد؛ فيكفي أن تكون مدة الخطبة ما بين 3 و 6 دقائق، والأهم من كلِّ ذلك أن تخاطب الناس بلغة عصرهم وتناقش قضاياهم، فلا يصلح الآن في عصر القفزة الكبيرة في مجال العلوم، أن تتحدث الخطب عن أحداث عاشتها الأمة قبل 1400 سنة، ويتم الاستشهاد بأحداث قديمة، كأن تتكرر سنوياً خطب الإسراء والمعراج، "والجمل الأورق الذي يتقدم القافلة"، في وقت أصبح فيه المسجد الأقصى نفسه مهددًا؛ كما لا يصح أن تتناول الخطبة "إلقاء سلا الجزور" على ظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو ساجد قبل الهجرة، فيما رسالة سيدنا محمد تتعرض للتشويه من المسلمين قبل غيرهم، ولا يعرف المصلون ما "سلا الجزور"؛ ولا يصلح أن تتحدث الخطبة في موسم الحج عن "الزاد والراحلة" وهناك الآن طائرات أسرع من الصوت.

إنّ معظم الخطب تركز على شيئين؛ الأول هو تناول مواضيع قديمة لم تعد تصلح لهذا العصر، وكأنَّ الأمة جمدت وتوقفت عند حد معين؛ والثاني هو تناول قضايا غير أساسية مثل خطبة الجمعة الأولى عند بداية العام الدراسي، إذ ظهرت وكأنها تخاطب أطفال، ولم ينقص إلا أن تحدد نوعية "السندويش" الذي يجب على الطالب أن يتناوله، ولكن الخطبة لم تتناول كيف نجح الآخرون في العلم وفشلنا نحن؟ فيجب أن تكون الخطبة جريئة وواضحة وتسمي الأشياء بمسمياتها، وعندها فقط ستصل إلى الناس، وقد تغيِّر الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع، مثل الفساد والرشاوى وإهدار المال العام؛ أمّا إذا كانت الخطبة ستلف وتدور حول النقطة بأسلوب إنشائي ممل وأداء غير مقنع، فإنّ ذلك يعتبر هدراً لأوقات الناس خاصة في هذه الزحمة والحر الشديد.

وهناك جانب آخر وهو أنّ اختيار موضوع الخطبة يجب أن يراعي الزمان والمكان، فالخطبة التي تصلح في مسقط قد لا تصلح في نزوى أو في صلالة، وهذا ينطبق تماماً على الخطبة التي تصلح في القاهرة مثلا فقد لا تصلح للندن أو الرياض، ولا يصح أن تكون خطبة الحرمين الشريفين تتحدث عن شأن سعودي مثل تأييد الحرب ضد اليمن، أو بداية العام الدراسي في السعودية، فما شأن المسلمين بكلِّ ذلك؟! ومن أمثلة عدم مراعاة المكان أنّ أحد الإخوة من الشام صلى الجمعة في محافظة الوسطى، فقال إنّ الخطيب تحدث عن أهمية تنظيف الأفلاج، رغم أنّه لم ير فلجاً في الوسطى، ونستطيع أن نقيس على ذلك.

يرى الكاتب محمد أبو المجد، "أنّ الخطاب الديني يسير بسرعة السلحفاة؛ بينما الواقع يطير بسرعة الصاروخ، فالخطاب يركب "توك توك"، والحياة المعاصرة تتقدم بحسابات السنوات الضوئية"، وأظن أنّ أبو المجد قدّم خلاصة الموضوع في عبارات موجزة؛ والمصلون أمام تحديات كبيرة، في مقدمتها الخطبة نفسها وطريقة إلقائها، لأنّ الخطيب يقوم بدور "المؤدي" فقط، إذ عليه أن يقول ما هو مكتوب له سواء اقتنع به أم لم يقتنع، وهو دورٌ يستطيع أيّ أحد يجيد القراءة أن يقوم به حتى لو كان غير مسلم.

إنّ موضوع صلاة الجمعة أصبح حديث الكثيرين خاصة في الآونة الأخيرة، وقد أرسل لي أحد القراء رسالة ركز فيها على جانب آخر مهم، هو جانب الأمن والسلامة في المساجد التي تقام فيها الجمعات، ويقول إنّ هذا الموضوع قد شغله كثيراً؛ ويرى ضرورة ملحة في إعادة النظر في كيفية إنشاء الجوامع، وضرورة فتح عدد كبير من المساجد والسماح لإقامة صلاة الجمعة فيها، وذلك لتخفيف الزحام الشديد من بعض المساجد، حتى لا يحصل ما لا يحمد عقباه، خاصة في ظلِّ الظروف التي تمر بها المنطقة، والخوف من التفجيرات، بعدما حصل في بعض دول المنطقة، وبعدما تم نشره من بعض التهديدات؛ فمعظم المساجد التي تقام فيها الجُمَع، تم بناؤها أصلاً لإقامة الصلوات اليوميّة العادية، فهي تكفي لعدد قليل من سكان الحي، لكن هذه المساجد توسعت من مسجد صغير إلى جامع يتسع للكثيرين، فتأتي هذه التوسعة دائماً مخالفة لشروط البلدية، وكثيراً ما تكون التوسعة دون التهوية وضعيفة من حيث مواد البناء والتكييف ودورات المياه، لأنّ كلّ ذلك لم يتم التخطيط له مسبقاً؛ وإنما جاء تلبية للحاجة الملحة لتوسع الحي، ولعدم وجود موازنة لهذا التوسع العمراني إلا بالقدر اليسير من المتبرعين، وبالتالي أدى هذا التوسع العشوائي إلى قفل أبواب المسجد وفتح أبواب صغيرة هنا وهناك من غير مراعاة لأوجه السلامة عند تدفق وخروج المصلين، حيث يكون هناك عند الأبواب من لم يكمل صلاته، مما يسبب ربكة للمصلين، وتزيد المشكلة عند مواقف السيارات، حيث لا تكفي المواقف لعدد السيارات، فتجد من يقف أمام المنازل المجاورة، ودائماً تجد السيارات غير مصطفة اصطفافا سليماً، مما يصعّب على السائق الخروج بالسلامة والانسياب؛ لذا يقترح القارئ -حفاظاً على أرواح المصلين عند حدوث أي طارئ لا قدر الله-، أن تتدخل الجهات المختصة، كالدفاع المدني مثلاً، باشتراط فتح أبواب كبيرة على الجوانب، حيث يكون بمقدور أيِّ أحد فتح الأبواب من الداخل، فيستطيع المصلون الخروج بسهولة عند اللزوم، ولأي ظرف طارئ، وعدم السماح لأي توسعة ما لم يكن هناك مواقف تكفي لعدد كبير من السيارات، وكذلك ما لم يكن هناك اشتراطات الأمن والسلامة في المسجد. وحقيقة نحن أمام وضع كهذا، يجب علينا أن نأخذ كلَّ الاحتياطات، لأنّ المساجد والمصلين أصبحوا هم المستهدفين الآن، وهذه مفارقة عجيبة وغريبة، وآن الأوان أن يعود للخطبة هيبتها.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك