ثلاثيَّة التفوق عند طالب الثاني عشر

عيسى الرَّواحي

تُعتبر السنة الدراسية الأخيرة لطلاب الدبلوم العام في الصف الثاني عشر أو ما يُسمَّى سابقا بالصف الثالث الثانوي، أهم المراحل الدراسية في حياة الطالب على الإطلاق؛ حيث يُحدِّد بها الطالب مستقبله الدراسي والعملي؛ فهي سنة لها ما بعدها، وقد كانت هذه المرحلة في السنوات السابقة ذات طعم خاص ونكهة مختلفة عما عليه اليوم، لكن قيمتها وأهميتها لم تتغير، وإنما تغير تعامل الطلاب معها بشكل عام.

سنة دراسية جميلة لا أظنُّ أنَّ من عاش أيامها يُمكن أن ينسى ذكرياتها؛ فقد حملتْ مع أصحابها طعم الحياة وحب التفوق وإثبات الذات، وقيمة الوقت وحسن استغلاله، ومعنى الصبر والعزم، وروح التحدي والكفاح، والتخطيط للمستقبل ورسم الأهداف الجميلة، ومواصلة دروس الحصص الصباحية بدروس التقوية المسائية، وكثرة المذاكرة وقلة النوم، وكانت أيام الامتحانات النهائية وأيام ظهور النتائج وإعلان أسماء العشرة المتفوقين على مستوى السلطنة عبر الإذاعة والصحف ونشر أسماء المقبولين في الجامعة والكليات بمثابة أيام وطنية -إنْ جاز لي التعبير- تعمُّ ربوع الوطن العزيز من أقصاه إلى أقصاه يعيشها جميع أبنائه ويعبقون من نسائمها التربوية الزكية.

وكان العبث بالوقت عند طالب الثانوية العامة أو الإهمال الدراسي أو الغياب غير المبرر أو التطاول على المدرس أو اللعب قبيل الامتحانات شذوذا قلَّ حدوثه ويندُر سماعه؛ فهو يُعدُّ مُحرَّما في عرف المجتمع، ومرتكبه منبوذ بين أفراده، وقد تتساوى النظرة إليه مع المعتوه أو مُرتكب المحرمات.

وبعيدا عن مقارنة واقع الأمس بواقع اليوم الذي لا يحتاج لتصوير؛ كوننا نعيشه على مسمع ومرأى؛ فإنَّنا لابد أن نكون مُتفائلين بأبنائنا الطلاب، وأن نضع فيهم الثقة، وننظر إليهم بإيجابية ونعوِّل عليهم الآمال في أن يكونوا على قدر عالٍ من الإحساس والمسؤولية بأهمية هذه السنة الدراسية التي ترسم لهم طريقَ مستقبلهم الوظيفي، ولنا كذلك أن نبيِّن بأنَّ ذلك الزمن الجميل وذكرياته الخالدة الذي كان يعيشه طلاب الثانوية العامة قبل سنوات لا يزال يعيش كثيرا من معالمه عدد كبير أيضا من أبنائنا الطلاب والطالبات.

إنَّ التفوق طريق النجاح، وينبغي للطالب أن يكون متفوقا في جميع مراحله الدراسية وليس في الصف الثاني عشر فحسب، بل ينبغي للمرء أن يَسْعَى للتفوق في جميع شؤون الحياة؛ كون قيمة الإنسان في تفوقه. ولا ريب أنَّ لكل مجتهد نصيبا، وأنَّ العلم يحتاج إلى جد واجتهاد ومثابرة في تحصيله، كما أنَّ نسبة التفوق والمنافسة على المقاعد الجامعية التي تناسب طموح الطالب لا تحصل بمجرد الأماني والأحلام، أو إضاعة الوقت والتسويف والتأجيل في المذاكرة ومراجعة الدروس، وحسبي أنَّ الطالب يعلم طريق التفوق وكيفية الوصول إليه، ولا تنقصه المعلومات بقدر ما هو مطالب بتطبيق ما يسمع من نصائح وتوجيهات وإرشادات على أرض الواقع، كما أنه مطالب قبل ذلك بأن يعيش هذه المرحلة الدراسية بالرغبة الصادقة والاستمرار الجاد في تحقيق هدفه الذي رسمه لنفسه سلفا، وأن يجعل من دراسته متعة تحقق له أنسا وحبا وشغفا وتعلقا بها؛ فالمتعة تحقِّق إتقان العمل الذي يقوم به صاحبه.

وحَسْب ما يراه المحاضر التربوي سيف بن سعيد الزكواني -الذي عقد الأسبوع المنصرم دورة تربوية لطلاب الثاني عشر بجمعية النور للمكفوفين بولاية نزوى- فإنَّ التفوق في هذه السنة الدراسية تحديدا بحاجة إلى ثلاثية لابد منها، والتي أسماها "إستراتيجية المثلث"؛ وهي تتمثل في: التحضير والتركيز والمذاكرة.

فالتحضير للدرس الذي يسبق الحصة الدراسية مهم ولابد منه؛ فالطالب من خلاله يستطيع إنجاز ما لا يقل عن 40% من فهم الدرس. وعندما يحضر الطالب جيدا لدروسه؛ فإن ذلك يجعله مستعدا للحصة الدراسية، ويدفعه للشوق إليها والرغبة فيها.

ورغم الثمرات التي يحققها الطالب من خلال تحضيره اليومي المسبق لما سيدرسه؛ فإنه لابد له من التركيز أثناء شرح المعلم والانتباه إليه جيدا؛ فثمة أمور لا يمكن الاستغناء فيها عن المعلم والحصة الدراسية. ومن خلال تركيز الطالب أثناء شرح المعلم، فإنه يرسخ لمزيد من الفهم والحفظ لما يتم دراسته، ويمكن للطالب كذلك أن يسأل ما كان لديه غامضا من مسائل ونقاط.

ومن أجل قوة التركيز -كما يبيِّن المحاضرـ فإنه لا بد من تحديد الهدف والمسار، وإغلاق المشتتات والاهتمام بالحصة الدراسية فقط، وهو ما يُطلق عليه التصويب بدقة أي الاهتمام بالهدف فقط.

وبعد ذلك يأتي دور المذاكرة؛ وهي الضلع الثالث في إستراتيجية المثلث، والتي تأتي بعد الحصة الدراسية، وفيها يقوم الطالب بتثبيت وترسيخ ما أخذه من دروس ومعلومات أثناء الحصص الدراسية. والمذاكرة تكون بشكل يومي لما أخذه من دروس ذلك اليوم، وأسبوعي وشهري.

ولا ريب أنَّه عندما يسبق المذاكرة تحضير حقيقي قبل الدرس وتركيز مُتقن أثناء الحصة الدراسية؛ فإنها ستكون عملية سهله -بإذن الله تعالى- مع اختلاف الفروق الفردية. وعندما يقوم الطالب بالمذاكرة بشكلها اليومي والأسبوعي والشهري، فإنه لا يجد ضغطا نفسيا أو ضيقَ وقت قبيل فترة الاختبارات أو أثناء تأديتها؛ فهو على أتم استعداد لها من خلال تطبيقه تلك الإستراتيجية منذ بَدْء العام الدراسي، ومن خلالها يستطيع تحقيق أعلى الدرجات بإذن الله تعالى.

إنَّ سرَّ التفوق الذي نراه عند الطالبات بشكل خاص، إنما يكمُن في تحقيق هذه الإستراتيجية التي لابد منها، ومتى ما عَمِل بها الطالب أو الطالبة؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ومع عمل الطالب بهذه الطريقة، فإنه مُطالب أيضا بأن تكون له علاقات إيجابية صحيحة مع خالقه ووالديه ونفسه ومعلميه وزملائه، وهذا ما أشرتُ إليه تفصيلا تحت عنوان "علاقات طالب الثاني عشر" في كتاب "حديث المدارس (ص:148)".

وبما أننا نُؤمن بأهمية هذه السنة الدراسية الأخيرة في تحديد مستقبل الطالب؛ فإنه ينبغي أن ينال طلاب الثاني عشر قدرا عاليا من الاهتمام والعناية والمتابعة من قبل إدارة المدرسة بتوفير أفضل الأجواء لدراستهم، وشحذ معنوياتهم بشكل مستمر، واختيار أكفأ الأساتذة لتدريسهم. ونأمل من المعلم أن يُضاعف جهده قدر مستطاعه مع أبنائه الطلاب من خلال تكثيف الأنشطة والمراجعات لهم، واستغلال الأوقات الإضافية في خدمة المنهج الدراسي، وعلى الأسرة أن تخصَّ ابنها في هذه السنة الدراسية بمزيد من المتابعة والاهتمام. وعلينا كذلك ألا نُغفل توعية أبنائنا الطلاب بالظروف الاقتصادية التي تمر بها الدول النفطية حاليا، وأهمية أن يكونوا أكثر حرصا على تحقيق أعلى الدرجات والنتائج.. سائلين الله تعالى أن يكتب لجميع أبنائنا الطلاب والطالبات التفوق والنجاح..إنه سميع مجيب.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك