الجروب والحروب...



عائشة البلوشية

يقال "مثل الجدار، طحت عليه تعورت، طاح عليك عورك"، وهذا المثل يضرب لمن ﻻ يسلم أحد من شره أو لسانه اللاذع، فأنت لن تسلم من أذيته أصمت أم كنت من المتحدثين...
هذه المقدمة كانت للبدء في الحديث عن المجموعات الافتراضية الـ"واتس آبية" إن جاز لي التصريف، والتي أصبحت الشغل الشاعل لمجتمعاتنا، حيث إنني شرفت بالانضمام إلى مجموعات عديدة، لدرجة أنني ﻻ أجد الوقت الكافي للمتابعة في كثير من الأحيان، وذلك لكثرتها ولكثرة التعليقات والآراء من المشتركين، أو لتعدد المواضيع التي تعرض في مجموعة واحدة في ذات الوقت، فهذه المجموعات باتت سلاحاً متعدد الحدود، لأنه تعدى الحدين بكثير، وهذه المجموعات أصبحت تتباين وتتنوع وتتلون بألوان وأنواع وأشكال لم أتوقع أن أراها في يوم ما، ومع احترامي لجميع المجموعات التي أنتمي إليها، أو التي استأذنت آسفة للخروج منها بسبب ضيق الوقت وعدم تمكني من التواصل بشكل مستمر، أفرد اليوم هذه المساحة في مقالي الأسبوعي عن كلماتنا وقوة تأثيرها، حتى وإن كانت سطورا من أثير، ولكن طاقاتها تؤثر في الأجواء المحيطة بنا...
سأتحدث هنا عن أنموذجين للتدليل وليس للحصر، وللمصداقية البحتة البعيدة كل البعد عن التحليل المغرق في السفطسة غير ذات المعنى، فعلى سبيل المثال إحدى المجموعات مجموعة عائلية مكونة من عدة أعضاء ينتمون إلى أسرة كبيرة واحدة، بدأت بالضحك والنكات والحكم والمواعظ والصباحات والمساءات والسؤال عن الحال، فتفرعت هذه المجموعة إلى عدة مجموعات مُصغرة، هدفها التعليق على تعليقات المجموعة الرئيسية، وحدث أن أخطأ أحدهم فنقل تعليقًا سيئاً عن أحدهم في المجموعة الرئيسية، فكانت الطامة الكبرى بأن تفرق الجميع، بشحناء وبغضاء لم تكن موجودة بينهم من قبل، لدرجة أنّهم أصبحوا لا يتواصلون نهائياً، ويقول القائل منّا تعليقا على ما حدث: "عقول العصافير"، ولكن هنا نرى أن الجروب قد تحول إلى حروب وشقاق، والغريبة أنك لا تجد من يبذل الجهد ليرأب ذلك الصدع التافه أحيانًا، وحتى وإن حاول فسينال من التهم ما يجعله يفغر فاه دهشة، محدثا نفسه: "الحاجز حله ضربة"، أي إنك إذا أردت الفصل بين طرفي عراك فستنال ضربة من أحدهما!، ولكن هذا ﻻ يعني أنه ﻻ توجد مجموعات عائلية جميلة يسود جوها التناغم والكلمة الطيبة والمحبة والمناصحة النابعة من القلب...
وفي المثال الثاني أسوق لكم مجموعة أخرى لا يربط بين أعضائها سوى رابط الوطن، فلا قرابة دم ولا مصاهرة، وتجدهم يضعون المواضيع موضع النقاش الجاد، ويبحثون عن الحلول، ويبذلون أقصى ما لديهم من جهود ليكونوا عوناً للوطن، وكلما قرأت نقاشا لهم أتذكر عمان الغالية إبان إعصار جونو وبعده، فكم من موضوع أشبعوه تحليلاً وتفصيلاً حتى خرجوا برأي حصيف، ويستضيفون ذوي الشأن والاختصاص بين الفينة والأخرى حتى يكونون الرؤية الواضحة، والأجمل أنك تجد جميع الفئات العمرية في هذه المجموعات، مما يتيح لك التعرف على وجهات النظر المختلفة باحترام وتقدير، حتى وإن خالفت وجهة نظرك الشخصية، وإن حدث وتجاوز أي منهم الحدود فستجد من العقول والقلوب التي تقرب وﻻ تفرق، وهنالك مجموعات أدبية رائعة ومجموعات علمية، ومجموعات فلكية، ومجموعات تربوية وغيرها من الأمثلة الرائعة، فالفضاء يزخر بالكثير والكثير من مكنونات الأثير...
وفي هذين المثالين اللذين سقتهما لكم، نجد أن إدارة المجموعة أو ما يعرف بال admin هو أساس نجاح المجموعة من عدمها، لأنه يسيطر بعقله الواعي وأفقه الواسع على النقاش الدائر، ويعيده إلى مساره الصحيح، أو يغلق الموضوع إذا وجده سيدخل في دائرة المراء التي نهانا عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، لأن المراء ليس بذي فائدة ولا طائل من ورائه إلا الهرطقة، فيحسب لنفسه أجر الكلمة الطيبة وتفرعها إلى يوم يبعثون، ويختصرها بـ"من استطاع منكم الوصية فليقل خيرا أو ليصمت"، ويجب أن نتذكر أيضاً الوصية: "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، فلا داعٍ للمباهاة بفعل أو حدث أو عطية في هذه المجموعات، فما نراه أمرا عاديا ربما كان من المستحيلات لغيرنا، فلا نحن منحناه مما لدينا، وﻻ نحن رحمناه بجهله بالأمر...

توقيع: "وإلا اسكت واهجع وإلا اضرب واوجع".

تعليق عبر الفيس بوك