اتحاد القدم.. ما بعد خراب مالطا

 

أحمد السلماني

حقيقة لم أجد تشبيها ومثلا قريبا من الحالة التي وصلتْ إليها منظومة الكرة العمانية إلا هذا المثل؛ فنابليون دمَّر مالطا وعاد أهلها وعمَّروها ليأتي الإنجليز ويدمِّروها مجددا في الحرب العالمية الثانية؛ فبعد أن أخذت التجاذبات منحى آخر ما بين الأندية واتحاد الكرة أضطر معه الأخير إلى أن يمسك المشرط ويعالج هذه المنظومة المعتلة بعمليات جراحية صعبة سعيا منه إلى اجتثاث الأعضاء المصابة من هذا الجسد الذي تكالبت عليه المحن والأزمات والأمراض؛ حتى كاد أن يهلك فلا يكاد يبرى من علة حتى يصاب بغيرها لينبري الأطباء معنا وهم كثر لتشخيص الحالة ليهرف من يعرف ولا يعرف في مناقشة وتحليل الحالة ويذهب الغالب إلى وصف الداء والدواء حتى وصلنا لمرحلة صمت فيها الخبراء والمحللون، وانسحبوا تاركين المجال والميدان "لحميدان" والرويبضة ومن معهم من بادي الرأي لمناقشة هموم الكرة العمانية وتحليل واقعها وطرح الحلول، بل وفرضها من قبل أندية السلطنة على اتحاد الكرة، والذي -ومن مبدأ شراكته معها- خضع لها فكانت النتيجة هذه التخبطات والأزمات المتكررة والمؤسف له ومن قراءتي للوضع فإن القادم أسوأ.

فقد خاطب اتحاد الكرة الأندية بأنه بصدد "إعادة النظر" في الدعم المادي الذي يقدمه سنويا للأندية خاصة أندية دوري المحترفين التي تنال نصيب الأسد من هذا الدعم والبالغ 5000 ريال عماني شهريا لكل نادٍ بدوري المحترفين و1500 ريال لأندية الأولى و500 ريال لأندية دوري الدرجة الثانية وهو الدعم الذي رجنت إليه أغلب أنديتنا، خاصة تلك التي تلعب بدوري المحترفين.

قرار اتحاد الكرة هذا جاء مُفاجئا ومباغتا على الأندية وفي توقيت صادم كونها تستعد لانطلاقة الموسم الجديد الذي سيبدأ بكأس مازدا، ومن ثم دوري المحترفين، وأبرمت تعاقدات كبيرة مع أجهزة فنية ولاعبين فكانت ردة فعلها سريعة، وأتحدث هنا مع تلك التي أرسلت خطاباتها لاتحاد الكرة مطالبة بإلغاء دوري المحترفين والنقل التليفزيوني للمباريات، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقا قبل انطلاقته بعامين.

وللوقوف على حيثيات الأمر وهذه الأزمة وما أكثر أزمات الكرة العمانية، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وندخل في مشكلة، وقبل أن نستفيق منها نصطدم بالجديدة، وهكذا يبدو أننا نتجه للدخول في نفق مظلم، ولا أرى سبيلا للخروج منه قريبا على وجه التقريب؛ حيث إنَّ اتحاد الكرة وبإصرار عجيب نفذ رؤيته بإقامة دوري المحترفين ضاربا عرض الحائط بالمناشدات والمطالبة بتأجيله كون البلاد ليست جاهزة بعد للدخول في معتركات ودهاليز هذا الدوري بصيغته الإحترافية لثلاثة عوامل: البنية الأساسية والكادر التشغيلي من مجالس إدارات الأندية ورابطة الدوري، واللاعبون كلهم غير مهيَّئين أو مُؤهلين لإقامة الدوري فضلا عن العامل المادي أو الدعم المالي؛ حيث إنَّ اطلاق دوري للمحترفين يتطلب قرارا سياسيا، ولو لم يتوفر كل ذلك فسنسقط جميعا في هذه الهوة رغم أن نية الاتحاد الكروي سليمة في القفز بكرة القدم العمانية من عالم الهواية إلى فضاءات الاحتراف لضمان التواجد بدوري أبطال آسيا وتطوير الكرة العمانية ووصولها للعالمية.

وفي المقابل، وبعد موسمين من انطلاقته، فإنَّ الأندية أخذها الحماس الزائد وتناست بأن دوري المحترفين وعندما لم يجد ذلك القبول الواسع كان على صيغته الشكلية، وعلى المستوى التنظيمي فقط ليتم خلط المفاهيم وتتسابق الاندية ويغالي اللاعبين في عقودهم رغم أنَّ هناك لائحة اتفقت عليها الأندية واتفقت على مبدأ شرفي بالتقيد به وأنه "لا يجوز أن يخطب أحد على خطبة أخيه"، إلا أنَّ كل ذلك لم يحدث ولن يحدث، وتدخل في غياهب الدين والمديونيات؛ فمن الطبيعي جدا أن يصدمها مثل هذا القرار فهي وحتى مع دعم الاتحاد فإنها في وضع مالي شبه متردٍ وطوال 45 عاما -أي ومنذ نشأة بعضها- لم تعمل على إيجاد مصادر دخل بديلة، وإنما كانت ولا تزال تعيش على دعم الوزارة واتحاد الكرة الذي هو نفسه يعيش أزمة مالية غير مسبوقة .

هي مناشدة لكل ذي نعرة يأبى تناسيها وإلى أصوات الحكمة في شارعنا الرياضي والكروي خاصة وداخل الأندية واتحاد الكرة أن نهدأ ونصمت قليلا، وأن يجلس الخبراء وصناع القرار إلى طاولة مستديرة يتم فيها طرح هموم الأندية والاتحاد فأي كان السبب؛ فالسفينة واحدة والرياح عاتية وتستحق الأندية من يأخذ بيدها في المقابل يصار إلى أن يلعب الدوري بصيغته الاحترافية ولو على هشاشته على أن يتم تقييم التجربة وهذه قصة أخرى وعدنا بها ولم نرى تقييما للتجربة... فمتى يا ترى؟

تعليق عبر الفيس بوك