شاوشانك الرياضة العُمانية!!

 

المعتصم البوسعيدي

تعرَّض آندي دفرين -الرجل المتعلم ذو المكانة المرموقة- للمهانة والتعذيب منذ الأيام الأولى في السجن الذي دخل إليه وهو بريء من قتل زوجته الخائنة، دخل إلى التحول الكبير الذي سيصنعه، من البداية وجد الاستبداد ومملكة الغاب، راهن على انهياره من سيصبح لاحقًا صديقه المقرب، من رحمِ المعاناة يولد البطل، ومن الواقع المؤلم يتجلى النصر، الفكرة ليست فلسفة تبيع الوهم، الظلام تطرده خيوط الفجر الأولى، لكن الخوف والضعف يطردهما الإيمان بالقدرات مهما كانا مارد عملاق، قالها لريد: ستشاركني يا صديقي مشروعي على شاطئ المحيط الهادئ، ولكن كيف؟! -كان يردد صديقه- وهو المحكوم عليه بالمؤبد، إضافة لسيف الظلم الذي يقطع يد الأمل كلما لاحت فرصة خروجه من السجن!

فيلم الخلاص من شاوشانك، الذي رأى النور في 1994، من تأليف ستيفن كينج المعروف برواياته في أدب الرعب وبطولة تيم روبنز والرائع مورجان فريمان وإخراج فرانك درابونت، حاز إعجاب النقاد السينمائيين، وتم تصنيفه كأفضل فيلم في تاريخ السينما حسب موقع(IMDB) للأفلام، رغم عدم تحقيقه للإيرادات الأعلى، وعدم فوزه بجوائز الأوسكار التي ترشح لها، وحديثي هنا ليس عن الفيلم بشكل مباشر، لكنني اخترته لأختزل رياضتنا العُمانية التي سجنت نفسها أو سُجنت في زنزانة، وهم الواقع مع سُجناء اقتنعوا بفكرة "هذا قدرنا" لذلك تولدت قناعتي بحاجتنا لمثل آندي الذكي والصبور والمغامر، المتطلع لمشروعه الكبير وسط كل الظروف المحيطة به وهو في السجن.

بطولة العالم لألعاب القوى ببكين شهدت مشاركة عُمانية يتيمة ببركات الحارثي الذي أثار تحطيم رقمه الشخصي فرحة عارمة وضعتني أمام سقف الطموح الذي نريد الوصول له، أعجبني تعليق أحدهم يومها حتى أنا أستطيع تحطيم رقمي الشخصي ليس انتقاصًا من الحارثي البطل الآسيوي ولكن ماذا بعد ألم نهرم بعد 45 عامًا؛ إذ نحتفل بتحطيم الرقم المحلي؟! ألم نهرم ونحن بلا ميدالية عالمية ولا أولمبية؟! ما هي معايير الإنجاز معنا؟! كيف لنا أن نتحدث عن الإمكانيات المحدودة والدعم الضعيف في لحظة الإخفاق ونتباهى بتطور الرياضة حينما تكون الضحكة -كما يقول المثل المحلي- من الأذن للأذن، لا نريد الدخول في مقارنات؛ فكما نتشدق بغنى غيرنا سنجد أيضًا فقر الآخرين.

في الفيلم يتقمَّص مورجان فريمان شخصية ريد وهو أيضًا يقوم بدور الراوي؛ حيث يحكي قصة آندي منذ لحظة وصوله سجن شاوشانك وما يتعرض له والنقلة النوعية التي يحدثها في حياة المساجين وتغيير نظرتهم وشخصياتهم ومساعدتهم في قهر العجز والاستسلام لليأس، لقد استثمر آندي الفرصة فكسب ود أعدائه بالدخول إليهم من باب خدمة مصالحهم حتى وصل لرأس الهرم آمر السجن، ساعده في ذلك ذكاؤه وعمله السابق كمصرفي، فعرف ما يحتاج للوصول لغايته، وناضل من أجل قضيته وغامر في أحيان كثيرة دافعًا فاتورة باهظة؛ فذات مرة أراد أن يُسمع نزلاء السجن معزوفة أوبرا لموزارت ونجح معرضًا نفسه للسجن الانفرادي، لم يندم ولم يتراجع عن مواصلة عمله، وهذا هو الفهم الذي نحتاجه: ماذا نريد؟ كما نحتاج للمغامرة، فليس من الصواب أن لا ندخل دوري المحترفين بالرغم من إدراكنا لحقيقة الاحتراف واستعدادنا الضعيف له: فطعم الموت في أمر حقير، كطعم الموت في أمر عظيم، وليس من الحقيقة الاقتناع بأن أستراليا وكوريا الجنوبية هما سبب إخفاق آسيا لسطوتهما علينا، فنتعذر بالإمكانيات والبون الشاسع في القدرات؛ الأمر الذي هو أشبه بلعبنا دور العجوز بروكس في الفيلم؛ حيث انتحر بعد الإفراج عنه لاعتقاده القاصر بعدم وجود حياة له خارج السجن إثر قضائه خمسين عامًا داخل ردهاته.

نفَّذ آندي خطته بصمت عجيب، وبقدرة فائقة مع صبر منقطع النظير، استخدم علمه وثقافته واستطاع التفاعل مع الأدوات الموجودة بقدرة عجيبة، وفجأة لم يعد آندي موجود في زنزانته، لم يعد آندي موجود في الحياة تخلص من سجن المكان وسجن الإنسان بطريقة مدهشة لم تخطر ببال أحد، تلاعب بآمر السجن إذ قام بتحويل أمواله إلى حساب رجل مجهول يتضح بعدها انه هو؛ فقد غير هويته وسافر إلى أحضان المحيط الهادئ مترقبًا صديقه ريد الذي روى تفاصيل هذا الخلاص، وكيف استطاع صديقه فضح ما يرتكب في السجن وحجم الفساد والقتل الذي كأد أن يحطم عزيمته كما حطم براءته الحقيقية من جريمة لم يرتكبها، ورياضتنا كذلك تحتاج للخلاص من قيودها، للانطلاق بطموح الذهب العالمي والدخول لقصر الاحتراف بمعناه الواسع، نعم رياضتنا ترزح في سجن الحجج والأعذار والأهداف التي تهز الشباك ولا تحقق الفوز، الخلاص من شاوشانك رياضتنا يجب أن يتم عبر التصالح مع أنفسنا والآخرين.. الأيام القادمة حُبلى ومخاضها صعب للغاية في ظل الأزمة الاقتصادية، والمال -كما هو معلوم- عصب الرياضة، لكن الإنسان هو الإنسان عصب المال وقاهر كل صعب.

 

تعليق عبر الفيس بوك