عيون العرب ترنو إلى اليابان

د. سعد بساطة *

بادئ ذي بَدْء: لنلق نظرة على دولةٍ مثل ماليزيا؛ والتي انتقلت في غضون سنوات قليلة من دُويلة زراعية فقيرة تقوم بتصدير منتجاتها الزراعية البسيطة نصف المصنعة أو الخام؛ إلى دولة مرموقة تتصدَّر النمور الآسيوية وتصدِّر منتجات تكنولوجية ذات قيمة مضافة عالية، والسبب وراء ذلك بحسب قول باني نهضتها مهاتير محمد: "عندما أصلي، أتوجه برأسي صوب مكة، أما حينما يتعلق الأمر بالاقتصاد؛ فليست لي وجهة سوى اليابان"!

ماذا فعلت اليابان بعد انكسارها في الحرب العالمية الثانية كي تتصدَّر الآن -مع ألمانيا- دول العالم في مجالي الاقتصاد والمعرفة! ولكن: ما هي اليابان؟

دولة مكوَّنة من جزر في المحيط الهادي تعدادها 120 مليون نسمة، غالبيتهم يتبعون ديانة الشنتو، لهم معابدهم البوذية والأضرحة المقدسة؛ ولغتهم اليابانية بعديد من اللهجات؛ نظام الحكم إمبراطوري ويحكمهم دستور "ميجي" الذي عمره 125 سنة! الناتج القومي هناك 3.2 تريليون دولار! وعملتهم الين.

ومن نافلة القول الحديث عن فرط النظافة في شوارعهم؛ أو وصف سرعة قطاراتهم (التي تدعى "الرصاصة"؛ واحتفالهم بإلغاء آخر إشارات المرور في طوكيو وترك أولوية المرور بحسب ما يرتأيه السائق، وتحويل مكاتبهم إلى مكاتب بلا ورقيات(Paperless office) منعاً للهدر أو تلويث البيئة.

ومن الجدير بالذكر أنَّ المؤسسة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا" ونجاحها الكبير، يعتمد بشكل أساسي على الخبراء من متطوعي متقاعديهم لإتاحة مجال لمن يرغب أن يتابع إنتاجه خارج اليابان وفي البلدان الصديقة (لقاء تغطية نفقاته وقليل من مصروف الجيب).

... بدأتْ اليابان نشاطها الاقتصادي بالخمسينيات من القرن الماضي، ومع سنوات من العمل الشاق، والجهود الصادقة: انتقلت من التقليد إلى الإبداع.

يتناقل الكثيرون بإعجاب أنباء عن:

1- الترشيد الطوعي لصرف الطاقة بعد تسونامي 2010.

2- إعادة الكثيرين للسلع لرفوفها عندما انطفأت الكهرباء في أحد المولات.

3- شراء الواحد "ما يكفيه" فحسب أثناء الأزمة، دون تكديس للسع في بيته!

4- العراك الذي حصل بين العمال الشباب والمسنين: أيهم سيحظى بشرف تنظيف ونضح الماء الثقيل من المحطة النووية بضواحي طوكيو أثناء التسرب نتيجة التسونامي (والمشاركة بمثابة انتحار سريع بالإشعاع)، الشباب يقول: "نريد تقديم شيء للوطن"؛ والكهول: "نحن عشنا عمرنا؛ بينما لديكم حياة لتعيشوها وعائلة لترعوها"!

ويعزى إلى مؤسسة هوندا وضع نظرية إدارة الجودة الشاملة(total quality management- TQM) وهي أن يعنى كل عامل بجودة منتجه، غير منتظرين مراقب الجودة لإجراء الفحص النهائي (وما يعنيه من توفير للمواد والوقت والجهد)!

طرائف حول الحياة والثقافية اليابانية:

- الأخضر بإشارات المرور يطلقون عليه اللون الأزرق!

- مع 1500 زلزال سنويا فالبيوت من الخشب!

- من الفظاظة رفض أيّة ضيافة تعرض عليك!

- لجنازة أو لعرس يجب إحضار هدية مالية!

- تنسيق الزهور فن معتمد وينظر إليه بإجلال.

- الأرز يمكن أن يكون وجبة للفطور والغداء والعشاء.

- يحاول الياباني تجنب رقم 4؛ كون لفظه (شي) وهي مرادفة لديهم لكلمة "الموت".

- لا تدخل أي بيت بنعليك.

- الجيشا فن الترفيه بالمحادثة أو الرقص والغناء.

- طريقة نطق الياباني للإنجليزية مضحكة نوعا ما.

- إعداد وشرب الشاي يعتبر فنا عريقا.

- التحية بممارسة الانحناءة يجب أن تتم بشكل لائق.

- الهاراكيري هي طريقة الانتحار (لإنقاذ الشرف) بشق البطن بالسيف من الأعلى للأسفل.

- يحصل سنويا مئات انتحارات الأطفال من تلاميذ المدارس لفشلهم في الحصول على الدرجة الأولى.

- الكاميكاز: هو الطيار الانتحاري الياباني!

مسافر ياباني في أمريكا؛ استقل تاكسي للمطار سبقته سيارة هوندا، فأطل من النافذة، وقال بجذل: "هذه سيارة يابانية؛ إنها سريعة للغاية"! بعد دقائق، تجاوزته سيارة نيسان، فالتفت وقال: "هذه سيارة يابانية، وهي فائقة السرعة"؛ وماهي إلا هنيهات وتجاوزته ميتسوبيشي.. عندها علق قائلاً: "سريعة جدا صنعت باليابان"، بدت ملامح الغضب على السائق الأمريكي؛ ولدى الوصول للمطار: طالبه السائق بأجرة 300$.. استغرب صاحبنا غلاء أجرة التوصيلة، وهنا قال له السائق بتشفي: ((العداد سريع جدا، لقد "صُنع في اليابان"))!

... يحضُّ ديننا على طلب العلم "ولو في الصين..." -يقصد أبعد بقاع العالم- وقد وصل تجارنا لهناك، وهنا أضيف هذه الحادثة لتصوير بعضا من ممارساتنا:

تاجر -محسوب على الإسلام- (من فئة الشطار) في هونج كونج، دعاه عميله للغداء، وهنا أمطره صاحبنا بتساؤلات: هل هذا لحم خنزير؟ هل هو مذبوح حلال؟ هل استخدم الكحول في تحضير الصلصة؟ هنا أبدى الصيني اندهاشه قائلاً: "أستغرب التزامك هنا؛ وقبل دقائق كنت تحضني على وضع علامة(Label) مزيفة على بضاعتي على أنها صُنعت في اليابان!

حادثة طريفة أخرى على لسان أحد سفرائنا في اليابان: كان مساء ينتظر ضيفا في بهو أحد الفنادق هناك، عندما سمع همهمة خافتة لم يدرِ مصدرها. خرج للشارع ليفاجأ بألوف الناس يحملون لافتات مكتوبة باليابانية؛ سأل عن الموضوع فعرف أنهم متظاهرون ضد أحد إجراءات الحكومة، يخرجون بالليل للتعبير عن رأيهم خشية أن يتعطلوا عن أعمالهم النهارية، أو يتسببوا بعرقلة السير!

الإنسان الياباني -بدءا من تلميذ المرحلة الابتدائية- لا يعتبر أيّ إنجاز يحققه شخصياً، بل لصالح اليابان.

وفي الختام؛ لقد نشرت مئات الكتب حول اليابانيين؛ ويُمكن اختصارها بكلمات قليلة: شعبٌ جاد يقدِّس بلده ويبذل من أجله الغالي والنفيس ولكن.. بلا شعارات!

* استشاري

SADBSATA@GMAIL.COM

تعليق عبر الفيس بوك