إيران: أبعد من مجرد امتلاك القوة النووية العسكرية

عبيدلي العبيدلي

لم يكد زبد الإعلام الذي صاحب عاصفة توقيع الاتفاق النووي الإيراني ودول مجموعة (5+1) يترسب في قاع بحور الحوارات الإيرانية مع دول تلك المجموعة، حتى طفا على سطح بحر المباحثات السرية التي كانت تدور في أروقة محافل تلك الاجتماعات، وعلى نحو مواز لها الكثير من نتائجها الخفية. هذا ما كشف عنه بشكل مبطن غير مباشر القائم بالإعمال الإيراني لدى بريطانيا محمد حسن حبيب الله زاده، في وقت سبق إعادة التبادل الدبلوماسي بين البلدين حين قال: "إنَّ مفاوضات بين طهران ولندن تجري لا عادة فتح سفارتي إيران وبريطانيا، مؤكدا أنه سيكون حينئذ تمثيل كامل بين البلدين، (مضيفا) في مقابلة مع صحيفة (إندبندنت) البريطانية أن وفودا من البلدين تبادلت الزيارات فيما بينها، بالرغم من وجود المشاكل خلال الفترة الماضية".

إعادة فتح السفارتين يؤكد -بما لا يدعو إلى الشك- أن هناك الكثير من المكاسب التي تحقق لإيران، بعد مشوار تلك المباحثات التي استغرقت ما يربو على 12 عاما. وقبل تسليط الضوء على تلك "المغانم" الإيرانية، لا بد من الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية وهي أنه خلال فترة قمة ادعاء العواصم الغربية فرضها الحصار على إيران، إلا أن هذه الأخيرة كانت تحصل، ربما بأثمان باهضة، وطرق غير شرعية، على ما كانت تحتاج له من بضائع، بما فيها قطع غيار السلاح، والتكنولوجيا المتقدمة، عندما كانت تحتاج لها.

ولعل ما سرب من معلومات حول من بينهما كما جاء في قضية إيران كونترا (Iran-Contra affair)" التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ريغان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران الماسة لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان؛ حيث كان الاتفاق يقضي ببيع إيران عن طريق الملياردير السعودي عدنان خاشقجي ما يقارب 3.000 صاروخ (تاو) مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات مقابل إخلاء سبيل خمسة من الأمريكان المحتجزين في لبنان".

كما أنَّ إفصاح إيران بعد الاتفاق عن حجم التبادل التجاري مع إحدى جاراتها الذي وصل إلى 15 مليار سنويا، يؤكد حصول طهران على التكنولوجيا التي تحتاجها، من أجهزة ومعدات، وبنى تحتية، من بلدان غربية تدعي حرمان إيران من تلك التكنولوجيا.

هكذا إذا ما كان مستورا قبل أشهر أصبح اليوم مكشوفا، وباتت طهران تسابق عواصم مجموعة (5+1) في الإفصاح عنه. لكن ذلك يبقى تاريخا، بل وقضية هامشية، عندما تقارن ما سوف تحصده إيران من ثمار يشرعنها ذلك الاتفاق.

وعلى المستوى العسكري، وبخلاف ما كان يتصور البعض، من كون إيران مصرة على تصنيعها لقنبلة نووية، وجدنا طهران تبدأ في تحرير بعض الاتفاقات العسكرية المتعلقة بالتسلح التقليدي، لكنه متطور. هذا ما اعترف به المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيري، حين أكد "أنَّ بلاده تتحقق من صفقة روسية ممكنة تبيع فيها موسكو منظومة (إس-300) لإيران، مما إذا كانت تتعارض مع عقوباتها المفروضة على طهران".

وعلى نحو مواز، وبمجرد الإعلان عن الاتفاق، سارع وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان إلى الإعلان عن عزم بلاده التوقيع "مع روسيا اتفاقية تسليم منظومة (إس-300) الأسبوع المقبل، (مشددا) على أن إيران ستتسلم المنظومة في وقت قصير بعد التوقيع".

وحتى على المستوى النووي، وإذا استثنينا قضية "تصنيع القنبلة الذرية"، فسوف نجد أن طهران لم توقف برنامجها النووي. هذا ما أكده وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 17 أغسطس 20015، (منوها إلى) أن روسيا هي الشريك الرئيسي لإيران فيما يخص التعاون في المجال النووي، (مردفا) إنني آمل في أن يحصل التعاون الإيراني-الروسي في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية دفعة قوية فيما بعد اتفاقات مينسك. وذلك يتعلق بالمشاريع لبناء وحدات جديدة لتوليد الطاقة في بوشهر وفيما يخص الوقود النووي".

أما على المستوى الاقتصادي، فقد أشار مساعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، في مقابلة له مع قناة "العالم" إلى أن "بلاده تحتاج لبناء 11 محطة كهر ذرية جديدة خلال الـ 12 عاما القادمة بمساعدة الدول الغربية... وقمنا (أي إيران) بتوقيع عقد بناء مفاعلين نوويين مع روسيا، كذلك لدينا مباحثات مع الصين من أجل بناء مفاعلات صغيرة... وسنعلن عما قريب بعد تنفيذ الاتفاق مع مجموعة 5+1، للدول الأوروبية بأننا على استعداد ليأتوا ويقوموا بالاستثمار في إيران؛ فإذا قاموا بالتمويل من أجل بناء مفاعلات في إيران بإمكاننا أن نضمن أن نشتري منهم الطاقة الكهربائية".

وفي السياق ذاته، بدأت المصادر الباحثة عن أسواق جديدة تتحدث عن أهمية السوق الإيرانية، فها هو الرئيس التنفيذي لشركاء توركوايز رامين رابي، يؤكد على هذه الحقيقة قائلا: "تمثل سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 355 مليون نسمة، أي أكبر من سوق الولايات المتحدة، وتشكل إيران بعدد سكانها البالغ 77 مليون نسمة خُمس هذه السوق، كما أن أغلبية السكان من الشباب المتعلم. فستون بالمائة من سكان إيران تحت سن الثلاثين ولديهم ميل نحو البضائع الغربية، مما يشكل إمكانية لسوق استهلاكية جيدة. ولكن في إيران من يقول إننا يجب أن نبدأ باعتبار ذلك رافعة للإستراتيجية الصناعية، (مضيفا) إن للقطاعات الصناعية الرئيسية في إيران فائضاً في القدرة يبلغ 20 الى 30 بالمئة وبالتالي هناك مجالات للنمو (منوها إلى أن) إيران تحتل اليوم مركز رابع أكبر منتج للإسمنت في العالم، وهي أكبر منتجي الصلب في الشرق الأوسط كما أنها أكبر منتج للسيارات أيضاً في المنطقة، بإنتاج يبلغ مليون سيارة".

وفي اختصار شديد: هناك ما هو أبعد من امتلاك طهران للقنبلة النووية، وأبعد من مجرد اتفاق حول مسألة واحدة. والسؤال: ماذا أعد العرب لذلك الأبعد، كي يتمكنوا من وضع أسس العلاقة الخارجية المستقبلية مع إيران، كي لا تكون نتيجة صرفة لردة فعل عفوية، نكون نحن الخاسر الأكبر فيها؟

تعليق عبر الفيس بوك