الطبخة عالمية والنكهة عمانية

حمود بن علي الطوقي

أجدني أكتب مرة أخرى عن السياسة الخارجية العمانية التي أصبحت محل تقدير وإشادة دولية ولكن هذه المرة من هنا من واشنطن، حيث المطبخ الرئيسي الذي يجهز أصنافاً مختلفة النكهات حسب ذائقة الإدارة الأمريكية، ولكن أن تفرض الطبخة العمانية حضورها وتصنع لها موطئ قدم وتقدم للعالم على طبق من ذهب وبنكهة مغلفة بالسلم والسلام، فلا شك أنّ تلك النكهة العمانية الطيبة التي فاحت رائحتها وعمّت دول المعمورة وحظيت باستحان المجتمع الدولي ستكون راسخة في الوجدان العربي.

ربما يكمن تميز الطبخة العمانية في أنّها جاءت على نار هادئة شأن السياسة والدبلوماسية الهادئة التي تعمل بصمت وتحتكم لصوت العقل، وخير مثال على ذلك دور السلطنة المحوري والمؤثر في واحدة من أصعب القضايا الدولية، والمتمثل في الجهود الجبّارة التي بذلتها الدبلوماسية العمانية والتي ساهمت مساهمة فعّالة في التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الفرقاء حول أزمة إيران النووية.

حتمًا لن تحمى هذه الجهود التي بذلت من ذاكرة التاريخ وستنقش بماء الذهب لأنها لدورها المتميز في تجنيب العالم ويلات الحروب والدمار، وأعادت الفرقاء إلى طاولة المباحثات من جديد وبلغة جديدة تغلب عليها المصلحة العامة وليس مصلحة المطبخ الأمريكي.

في جامعة كينت بمدينة أوهايو حيث تدرس ابنتي " واحة " التي تنوي أن تختار العلاقات الدولية مجالاً لتخصصها الجامعي كنت أتجول في مكتبة الجامعة الضخمة، وشد انتباهي مجموعة من طلابنا وطالباتنا المبتعثين للدراسة وهم يتجولون بين أروقة المكتبة لاقتناء الكتب التي ستعينهم في دراستهم، وقد أثلج هذا المنظر صدري وهون عليّ فراق ابنتي التي أتمنى لها النجاح ولجميع زملائها.

انتهزت الفرصة للبحث عن أية دراسة تشير إلى العلاقات العمانية الأمريكية وإلى أول سفير عماني وهو أحمد بن النعمان المعبي الذي وصل إلى واشنطن عام ١٨٦٠، فاستعنت بأحد مرتادي المكتبة لمساعدتي في الحصول على هذا البحث، وإذا بشاب من الجنسية السورية جاء إلى أمريكا بغرض الدراسة، والبحث عن فرص أفضل للعيش، بعد أن عانت بلاده ويلات الحرب والانقسامات الطائفية، تجاذبت معه أطراف الحديث الذي تطرقنا خلاله إلى العديد من القضايا العربية وتفكك بعض الدول العربية، نتيجة تطبيقها مبدأ الفوضى الخلاقة الذي دعت إليه كونداليزا رايس إبان حكم جورج بوش الابن.

صاحبنا السوري شاب مطلع ومثقف هكذا حكمت عليه من خلال حديثه ومناقشاته، كان متفائلا بأن ومطمئناً بأن بلاده ستعود إلى سابق عهدها، خاصة بعد أن كثفت سلطنة عمان جهودها لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة السورية وقال لي بالحرف الواحد إن الشعب السوري ينتظر أن تلعب الدبلوماسية العمانية دورًا محوريًا لتضيق الفجوة في الأزمة السورية، حتى تعود دمشق شامخة في الوجدان العربي فقد نجحت عمان في التوفيق بين الخصوم وتقريب الوجهات بشأن الاتفاق النووي التاريخي، لهذا لن يُعييها أن تقدم ما يُفرح الشعب السوري، فعندما استقبلت مسقط وزير الخارجية السوري وليد المعلم شعرنا نحن السوريين بالارتياح بأن الدور العماني سوف يجلب الخير علينا.

وقد نجحت عمان في حل العديد من القضايا العالقة ولن تخيب آمالنا في سوريا فالشعب السوري مثله مثل الأشقاء العرب يحلم بأن تعود سوريا وكل البلدان العربية وتعود الأمة العربية إلى حياة الوفاق فهذه هي أمنية كل مواطن عربي هجرته الحروب بسبب الفتنة والطائفية. وأكد محدثي فخره كمواطن عربي بالسياسة التي تنتهجها سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله ورعاه- والذي وضع نهجاً راسخاً للسلطنة في مجال العلاقات الدولية يقوم على التسامح والحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ففرض بذلك على الجميع احترام السياسة العمانية التي تحتكم إلى صوت العقل والحكمة وتعتمد على مبدأ السلام والإخاء.

أعجبت أيما إعجاب بتمسك هذا الشاب بخيوط الأمل بأنّ اللحمة العربية ستعود طال الزمن أو قصر . ولكن لغة السياسة ليست بالأمر بالهين فهي تحتاج إلى صبر وتمرس وتفكر وأيضاً التضحيات من أجل تحرك العجلة إلى الأمام فعمان والحمد لله أثبتت قدراتها في إدارة الأزمات السياسية بالحكمة والمنطق منذ اتفاقية كام ديفيد وحرب الخليج الأولى والثانية ودورها في القضية الفلسطينية ومواقفها تجاه تقريب وجهات النظر إزاء عاصفة الحزم ولا ننسى دورها الإقليمي والعالمي في تضييق الفجوة وتغليب لغة الحوار ولاشك أن مهندس هذه الدبلوماسية هو جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعا-.

تعليق عبر الفيس بوك