زوجة واحدة لا تكفي.. وأساطير أخرى

ناصر أبوعون

بعد أن نجحت الفضائيات العربية في تحويل المشايخ والعلماء في بعض الدول الإسلامية، إلى نجوم يتقاضون أجورهم بالدقيقة، وبعد أن سقطت هيبة العلماء، ودخلنا عصر فوضى الفتاوى الخلاقة في برامج التوك شو العربية، ودخلت الأمة عن بكرة أبيها إلى نفق الاحتراب الأهلي -إلا ما رحم ربي- تحت راية مكتوبة بالدم؛ ظاهرها الإسلام وباطنها الانتقام، تتخذ من التقسيم الطائفي وسيلةً، ومن التكفير المجاني إرهابًا، كان من الواضح أنّ هذه النتائج الكارثية كانت محصّلة طبيعية لحالة الإفراط والتفريط في الأوامر الإلهية، والقيم الإنسانية النبيلة، والتحوّل إلى توقير المدنّس، وإسقاط المقدّس من قائمة أولوياتنا والتي عشنا فصولها المتتابعة، خلال العقود الخمس الماضية؛ فبدأت تتهاوى منظومة القيم الإسلامية والعربية واحدة تلو أخرى، ومع طفو مجتمعاتنا العربية والإسلامية فوق قشرة الحداثة في بحر التقدم وتحقيقها لطفرة تنموية شكلانية ودخولنا عصر البترودولار، بدأنا الاستهانة بكل صغيرة وكبيرة، في حياتنا ومشتركاتنا الإنسانية وفي القلب منها العلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة التي صارت تشهد تحوّلا درامتيكيا وتنوعًا في الأنماط الشاذّة والغريبة ساهم في ابتداعها فقر مدقع، وشح مطاع، وهوى متبع، مقرونة برغبة مجنونة في التجديد، والمتعة الجنسية من باب التحايل على الشريعة تارة، ومخالفة التشريعات تارةً أخرى، وخرق القوانين الوضعية في الأعم الأغلب ليتحوَّل الزواج معها إلى سوق للمتعة، وتتحوّل المرأة في سياقه إلى سلعة تُباع، وتُشترى؛ تحت عنوان إسلامي عريض اسمه الزواج الشرعي؛ فبدأنا نسمع عن أشكالٍ، وأنواع، وصور ما أنزل بها من سلطان؛ بدأت بالزواج السِّريّ وصولا إلى "زواج النهار"، واليوم نسمع بـ"زواج الويك إند"، و"زواج الإجازات"، و"زواج الوناسة"، وأصبح الرجل معه ينتقل من امرأة إلى أخرى، وتنتقل المرأة فيه من رجل إلى آخر.

ماذا ننتظر من شباب يتعرض للإغواء ليل نهار وعلى مدار الساعة؟ كيف تلومه عندما يقع في شبكة تروّج للدعارة المقنّعة وتحت ستار الزواج؟ ماذا سيفعل عندما تصله رسالة عبر بريده الإلكتروني تقول له: "إذا كنت من عشّاق العزلة، ولا ترغب في علاقات غير شرعية سنعمل على راحتك: لدينا زوجة نهارية لنصف يوم من الثالثة ظهرا وحتى الثامنة مساء.. وفِّرْ مصاريف إضافية وريَّح راسك من النكد الزوجي.. لدينا لك زوجة لبعض الوقت، وبدون أدنى مسؤوليات".

ومع بداية الألفية الجديدة، حزمت حقائبي وتوجهت إلى موسكو لاستكمال دراسة الدكتوراه؛ عشت هناك أياما عصيبة خصوصا مع حلول موسم الشتاء، تسكَّعت على المقاهي بحثا عن وجوه عربية، وفي ليلة جاءني النادل بكأس من الفودكا، فقلت له: أنا لم أطلب خمرا أنا فقط أريد مشروبا ساخنا، فأشار إلى زاوية في المقهى فالتفتُ فإذا هي فتاة لها ملامح عربية انتقلت إلى طاولتها وتعارفنا؛ ويوما بعد يوما صرنا أصدقاء شدَّ انتباهها التزاما أخلاقيا في كلامي، وسحنة وجهي. فقالت لي ذات يوم ألم تسمع بالموضة الجديدة التي غزت العالم؟ ألم تسمع عن "زواج فرند؟" على غرار "بوي فريند وجيرل فريند"، يراه البعض نموذجاً عصرياً لاتقاء الفتن ما ظهر منها وما بطن، فقلت لها: وأنا أعتقد أنه "تقنين" لممارسات جنسية صرفة، بعيدة عن أي شكل من أشكال العلاقات الاجتماعية المعروفة، فقالت لي يا صديقي "زواج فريند" يستند أساساً إلى الأركان الواجب توافرها في الزواج الشرعي والمحددة بوجود المأذون والشاهدين وصيغة العقد والمهر المتراضى عليه، إضافة إلى ما يستوجبه من إشهار لعقد الزواج وإعلانه، وليس في هذه الشروط وجود منزل مع الزوج"، وأنا أعتقد أنه الطريقة الأنسب والأدق في القضاء على انحراف الشباب المسلم في بلاد الغرب، ويسهل أموراً كثيرة قد تعيق قيام الزواج الشرعي؛ وبالتالي فهذا النوع قد استثنى الشكليات ولم يتطرق إلى الأساسيات في أصل الزواج، وأن هذا النوع من الزواج يوقف آثار الزوج من حيث النفقة والإنجاب والمسكن.. فدفعتُ الحساب إلى النادل ومضيت في طريقي.

ماذا تقول عندما تدخل بيت جدك بعد وفاة جدتك، فتفاجأ بفتاة في العشرينيات تتبختر بقوام ممشوق في بهو المنزل. وإذا ما سألته من هذه يا جدّي. يقول لك: "زواج وناسة" تعتني بي، واشترط عليها أن تتنازل عن حقها في المعاشـرة الجنسية، مع تمتعها بباقي حقوقها في المهر، والنفقة، والسكن.

وتطبيقا لقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"، فإنّ المرأة إذا كانت شابة واشترط عليها الزوج عدم المعاشرة الزوجية، فالشرط من الناحية القضائية صحيح، والزواج أيضا صحيح، لكن هذا قد يفتح الأبواب لمفاسد أخرى؛ أقلُّها ضررا انفلات المرأة في اتجاه إشباع غريزتها خارج الإطار الشرعي.

ومع حلول الصيف وبداية موسم الإجازات، وفرار الأثرياء وعشّاق السفر من طقس بلدانهم القائظ إلى العواصم المعتدلة والباردة، وبمجرد خروجهم من بوابة المطار، يتجمَّع سائقو سيارات الأجرة لاختطافهم ويبدأ كل سائق في إبرام الصفقة قائلا: الفنادق مزدحمة ولا تقدم الخدمات التي نحن نقدمها؛ لدينا: شقة رائعة وزوجات 7 نجوم من كل صنف ونوع، (زواج سياحي وإسلامي حلال)، وينتهي العقد بانتهاء مدة الإقامة والتكلفة تتحدد بسن الفتاة وعذريتها.

ولأن بعض الأسر تتمسك بقاعدة منع الفتاة من السفر، ولو لداعي الدراسة بدون محرم فإنهم يتحايلون على القانون والسلطات فاخترعوا مخارج وحلولا شيطانية تخالف القاعدة الشرعية حيث يتم الاتفاق مع (خادم الأسرة، أو السائق، أو أحد الأقارب البسطاء) للتوقيع الشكلي على وثيقة زواج رسمية ويستكمل إجراءات سفرها بصحبته وبمجرد وصولهما إلى المطار تبدأ إجراءات الطلاق ويستقل الطائرة العائدة إلى أرض الوطن بعد (أنهى مهمته، وتقاضى راتبه) نظير دوره التمثيلي في مسرحية اسمها (زواج المسفار) بعد أن أقنعوه بأنه وسيلة شرعية لتحقيق احتياجات (إجرائية).

ولأنني أعشق الفوتوغرافيا ومحب للترحال وأنام على سفر، وأصحو على مغامرة؛ بحثا عن لقطة هنا، وصورة نادرة هناك، فقد ساقتني قدماي للعمل في دولة يكثر فيها عدد المطلقات الباحثين عن (ظل زوج) يبدد سحابة الوحدة، وفي إحدى التمشيات على الشاطئ التقيت صديقًا لم أكن رأيته لسنوات طوال، كان يتبختر بصحبة مواطنة من الدولة نفسها، تصافحنا بادرني قائلا: "لا تفهمني خطأ"، إنها زوجتي، ولكنه "زواج مسيار"، وهذا الزواج تمّ بالتفاهم بيني وبينها، واتفقنا على كتابة عقد تتنازل فيه عن بعض حقوقها كالمبيت والنفقة والسكن وكان باختيارها ورضاها، فسألته: لماذا تسمونه "زواج مسيار"، فقال لأن الرجل يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها.

كل هذه الأكاذيب والترّهات تحدث تحت مسمى "الزواج الشرعي"؛ مما دفع الشباب إلى الاستهانة بالعلاقة المقدسة وبعقد الزواج الذي وصفه الحق سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ، قال تعالى: "وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) (سورة النساء).

فبلغت الاستهانة إلى ظهور ما يسمى بـ"زواج الكاسيت" في الثمانينيات من القرن العشرين وهو أحد تقاليع شباب الجامعات؛ حيث يقوم الشاب والفتاة بتسجيل "صيغة الزواج" بصوتهما علي شريط كاسيت كوثيقة زواج، ويشترط فيه تسجيل عبارات الحب والغزل وصيغة الزواج على الوجه الأول، وعلى الوجه الآخر من الشريط يتم تسجيل صيغة الطلاق، ومن مراسم الزواج أن يقوم العروسان بتشغيل الشريط أثناء المعاشرة الزوجية حتى تحين جملة الطلاق على الوجه الثاني فيتم الطلاق!

وابتدعوا أيضا "زواج الرمل" يمارسها الشباب صيفا على شواطئ المدن الساحلية وفي البلاد ذات السياحة المائية الشتوية؛ حيث يقوم (الفتى والفتاة) بكتابة اسمهما على رمل الشاطئ، وبعدها يختليان وبين الحين والآخر يلقيان نظرة على الرمال حتى تأتى موجة البحر وتمحو اسميهما فيكون الطلاق قد حدث.

وفي صيغة أخرى، يذهب الشاب والفتاة إلى صانع الوشم لاختيار صورة ويطلبان منه رسم نصفها على ذراع الشاب، ونصفها الآخر على ذراع الفتاة، ثم يلامس كل منهما ذراع الآخر فتكتمل صورة الوشم ويتم الزواج، ثم يحدث الطلاق عندما يقرر أحد الطرفين محو صورة الوشم من فوق الذراع. وفي مشهد بالغ القسوة لن تشاهد ذلك إلا بين طوائف عبدة الشيطان حيث يقوم الشاب والفتاة باستخدام خنجر أو سيف أو آلة حادة وعمل شق في ذراع كل منهما حتى ينزف الدم، ثم يمزجان الدم النازف ويلعقانه فيتم الزواج، وتتم عملية الطلاق بمجرد التئام الجرح وشفائه.

Nasser_oon@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك