لبنان.. حتميّة التوافق

كشفت التظاهرات الشعبية- التي اندلعت خلال اليومين الماضيين في لبنان وشهدت اشتباكات بين آلاف المحتجين وقوات الأمن بالعاصمة بيروت- عن حجم الأزمة التي تعاني منها البلاد، والتي لم تقف فقط على خلفيّة أزمة تراكم القمامة في الشوارع، إذ لم تكن هذه سوى رأس جبل جليد الأزمات في بلد أدخلته الصراعات والمحاصصات الطائفية والولاءات الحزبية، في أتون معركة مشتعلة على لهيب عدم الاستقرار والمظالم الشعبية.

وفي وقت كان من الأولى أن ينعم فيهلبنان بالاستقرار وأن يستنفر جهوده لمواجهة التحديات التي تكتنف المنطقة لاسيما الإرهاب المتمثل في تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الظلاميّة، التي تحرض على أساس الطائفة والمذهب؛ يجابه لبنان عددًا من التحديات.. فبالإضافة إلى الأزمات الداخليةوتداعيات المشكلات الخارجية التي تكبل الاقتصاد اللبناني، تطل أزمة النازحين السوريين- الذين يقدر عددهم بأكثر من مليون لاجئ- برأسها لتلقي بتداعيات عدة على مجمل أوضاع الداخل اللبناني.

وإن لم يتم تدارك تعقيدات الأوضاع على الأرض فإنّ لبنان مقبل على مرحلة سياسيّة واقتصادية حرجة من شأنها أن تدفع لبنان إلى عنق الزجاجة، وسيكون السيناريو الأوضح هو الوقوع في براثن انهيار مؤسسات الدولة خاصة بعد تلويح رئيس الحكومة تمام سلام بتقديم استقالته، وبالتالي الدخول في فراغ سياسي عريض ينذر بانهيار الدولة وشل حركة الحياة في لبنان؛ في ظل الغياب التام لمجلس الوزراء المُعطل منذ ثلاثة أشهر بسبب حدة التنازع والاستقطاب السياسي.

كلّ التداعيات السابقة تفرض على النخب اللبنانية التحلّي بالمسؤولية الوطنية، وتفعيل النقاش الداخلي من أجل البحث عن وسيلة مُثلى لمعالجة الأزمات الداخليّة وفق رؤى حكيمة، وحنكة سياسية واعية بعيدًا عن المزايدات الحزبيّة والطائفية.. كما يجب على لبنان أن تسعى لتفويت الفرصة على الأعداء المتربّصين بأمنه واستقراره، وأن تحرص القوى السياسية على مراجعة حساباتها لاسيما أنّ لبنان تقع في منطقة تماس مباشر مع الإرهاب والمحتل الصهيوني، الأمر الذي يحتم عليه ضرورة اتخاذ خطوات وقرارات جريئة تحقق السلم والتوافق السياسي والاجتماعي بين مختلف الأطراف، وإيجاد أرضية وطنية مشتركة لمعالجة الأمور؛ حتى تظل لبنان رمزًا للمقاومة والتعايش والصمود.

تعليق عبر الفيس بوك