"يا غريب كون أديب"

عائشة البلوشيَّة

ولنا في الأمثال حكمٌ ومواعظ، ولكثرة ما يتم تناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من نميمة وقصص وأحداث -لا أعلم مدى نسبة صحتها- حول أخلاقيات يقوم بها بعض السياح العرب في إجازاتهم الصيفية في ربوع أوروبا، تذكَّرت أنَّ أجدادنا كانوا يوصون أبناءهم قبل الذهاب إلى أي مكان جديد بقولهم: "يا غريب كون أديب"، وأديب هنا ليست لمعنى كاتب أو شاعر أو خلافه، بل إنَّ هذا المثل يحمل في طياته الكثير والعميق من المعاني الأخلاقية؛ فعندما تكون في وسط جديد، يجب عليك احترام خصوصية المكان والمجتمع، واعلم أنَّك راحل بعد مدة قد تطول وقد تقصر، وأنَّ كل حركة منك أو سكون، هي بمثابة طباعة رسالة عن المجتمع الذي أتيت منه وتربيت فيه، ولا أنسى تلك الوصية التي كانت ترددها جدتي -أطال الله في عمرها- لي وشقيقتي وذلك حتى نتحلى بخلق الرزانة والاتزان حين تقول لنا: "أهأ.. عن تغدن كما خلاله في منخل"، و"أهأ" بلهجتنا الدارجة بمعنى "إياكن"، و"الخلالة" هي مفرد خلال وهو البلح الغض، وأترك لخيالكم العنان أن يتصور شكل حبة من الخلال في منخل كبير، لن تستقر في مكانها أبدا، بل ستظل تتحرك ملء الفراغ في ذلك المنخل، وهي بهذا لا تريدنا أن نترك انطباع الخفة والتفاهة لمن حولنا في ذلك الوسط الجديد.

وحقيقة في جميع الأماكن التي كتب لي الله أن أتواجد فيها لحضور اجتماع أو مؤتمر أو مرافقة زوج...أو غيرها من الأسباب التي تفرضها علينا ظروف الحياة لنكون خارج وطننا الحبيب جسدا، ألمس الاحترام الذي يكنه المجتمع الغربي للعماني، وأنه يصنف لديهم برغبته الصادقة في التعلم والمثابرة والصبر والالتزام واحترام خصوصيات المجتمع، فأحمد الله تعالى وأسأله أن يثبت علينا هذه النعم، وأن "لا يشيخ علينا المدح" وهي مقولة عمانية دارجة عندما يبدأ الشخص في المبالغة في تقدير ذاته ويصاب بالغرور والعياذ بالله.

وبعد الفرز الأول للمتقدمين من طلابنا لمقاعد التعليم العالي، اتَّضحت الرؤية لهم واستقر الكثير منهم على موقعه الذي سيحدد من خلاله مستقبله ومسار حياته بإذن الله، سواء كانت البعثات خارجية أو داخلية، فكلاهما سيان، ﻷن الطالب خرج من جو المدرسة وبيئتها، إلى جو وبيئة ومحيط مغاير تماما، فمن خرج من مدرسته إلى مؤسسة تعليم عالي داخلية، يجب أن يعي أن الحياة تختلف تماما عن جو المدرسة، وأنه الآن يتمتع بنطاق تام من الحرية، ولكنها يجب أن تكون حرية مسؤولة، وأنه من الآن أصبح مسؤولا مسؤولية كاملة عن كل تصرف يقدم عليه؛ فالمحاضرات غير الحصص الدراسية، والواجبات المدرسية تختلف تماما عن تلك التي في الكلية، والعادات والتقاليد تتشابه في المحافظات جميعها، إلا أنَّ لكل محافظة خصوصيتها التي يتوجب علينا احترامها.

أما أبناؤنا الذين اختاروا البعثات الخارجية؛ فالأمانة أثقل وأكبر، فأنتم لا تمثلون أشخاصكم وأسركم وحسب، بل أنتم سفراء لبلادكم التي تنتظر عودتكم متوشحين أوسمة المؤهلات والخبرات المختلفة، بعد أن اختلطتم بالثقافات المختلفة فأخذتم الصالح ونبذتم الطالح، وعمانيتكم هي ما جعلكم تتميزون عن غيركم من الطلاب. وفي الختام، فقكم الله جميعا ورفع درجاتكم في الدارين وأسعد الوطن بإنجازاتكم.

---------------

توقيع: "ليس الجمال بأثواب تزيننا.. إنَّ الجمال جمال العلم والأدب".

تعليق عبر الفيس بوك