الكتابة على حبل مشدود

عبدالنبي العكري

نعم.. الكتابة وكأنك تسير على حبل مشدود، هو ما يعانيه أصحاب الكلمة الحرة والصادقة. وعندما أنشر كتاباتي فإنَّ هناك محاذير وخطوطاً حمراء مرئية وغير مرئية، وشباكاً منصوبة فيما بين سطور ترسانة القوانين، وتفسيرات الجهات الرسمية المناط بها تنفيذ القانون، بغض النظر عن حسن نواياك أو استخدامك تعبيرات عامية على سبيل التذمُّر.

وإضافة إلى ما كان قائماً من قوانين وتشريعات متشددة؛ فقد جَرَى تشريع قوانين جديدة مثل "قانون حماية المجتمع من الإرهاب"، كما جرى إدخال تعديلات على التشريعات القائمة لتشدد من العقوبات التي تتعلق بالتعبير كتابة أو قولاً أو تعبيراً بالفنون الأخرى -مثل: الكاريكاتير والجرافيتي والأغاني، والإنشاد، والتمثيل والسينما والفيديو...وغيرها- ولكي تشمل وسائل التعبير الجديدة مثل وسائل التواصل الاجتماعي؛ ومنها: تويتر وواتساب وفيسبوك وإنستجرام وسناب شات...وغيرها، وبالطبع الإنترنت من إيميلات ومواقع إلكترونية وبلوجر...وغيرها.

وفي الوقت ذاته، فقد جرى استحداث أجهزة الرصد والمتابعة حتى للهمسة، فقد جرى بموازاة تطور الشبكة العنكبوتية والاتصالات الحديثة استحداث أجهزة المراقبة واختراق أجهزة مستخدميها من هواتف وكمبيوترات...وغيرها؛ حيث استطاع الحقوقيون في الغرب كشف الشركات المنتجة لهذه الأجهزة التي باعتها للدول الخليجية، بل وقوائم ضحايا هذا التجسس غير المشروع.

... إنَّ الكاتبَ عندنا رُبما يحاكم لنواياه؛ فالنقد يفسر أنه هجوم وتعدٍّ، وكشف العيوب يفسَّر بأنه تشهير وإساءة لسمعة الدولة وكراهيتها، والمطالبة بالإصلاحات يفسَّر بأنه الحض على تغيير النظام بالقوة، وفي أحسن الأحوال بطرق غير مشروعة، والتعامل مع قناة أجنبية يفسَّر بأنه عمالة للدولة التي تمتلك تلك القناة، والحصانة من النقد أضحتْ تشمل الرموز السياسية ولا تعرف تفسيراً قانونياً لذلك.

إنَّ إحدى النتائج المترتبة على ذلك هو المغردون الذين هم خلف القضبان بحجة تغريدات هنا أو هناك.

أمَّا النتيجة العملية، فهي السعي لردع الكثيرين عن ممارسة حريتهم في التعبير، أو استخدام الرموز للنيل من طائفة من الشعب، أو فئة اجتماعية معينة أو فصيل سياسي معين، وعليك أن تفهم الألغاز.

وبالنسبة للصحافة المكتوبة، فقد ضاق هامش التعبير للصحافة الحرة، وأطلق العنان لصحف محددة لتكتب ما تشاء من شتائم وتحريض دون محاسبة، فيما يتم محاسبة من يرد عليهم بطرق شتى.

أمَّا الشكل الآخر من الردع، فهو في مواجهة أي نقد لجهة حكومية برد كاسح وشامل من تلك الجهة يفند ادعاءات الكاتب لردعه عن تكرار فعلته، وإذا كان ذلك مفهوماً للحكومة ووزاراتها ومؤسساتها التي تعتبر نفسها محصنة من النقد؛ فقد انضمت المجالس التشريعية إلى الحكومات فهي التي يفترض بها أن تكون معبرة عن الشعوب ومصالحها والمراقب للسلطة التنفيذية. وها نحن نشهد ردوداً قاسية من على أي بادرة نقد بل والشروع في مقاضاة المنتقدين، وهذه ظاهرة لا مثيل لها في العالم.

أنت إذاً تسير في حقل ألغام، وتجعل من نفسك رقيباً على ذاتك وهي أسوأ أنواع الرقابة؛ لأنها تخلق ازدواجية التفكير ومعاناة داخلية.

تعليق عبر الفيس بوك