الشخص المناسب في المكان المناسب

خلفان العاصمي

دائمًا ما نردد مقولة إن الشخص المناسب في المكان المناسب، والتي ربما قد قيلت في موقف كان يتطلب وجود شخص ما يمتلك قدرات معينة لحل مشكلة ما ومن ثم نجح في ذلك فأتت هذه المقولة تأكيدا لذلك، إلا أن ارتباطها بالوظيفة أو العمل الذي يحتاج لشخص مناسب يمتلك قدرات ومهارات تؤهله لتلك الوظيفة أو لأداء ذلك العمل بما يتلاءم ومتطلباته، إضافة إلى امتلاكه مهارات أخرى كالقدرة على حل المشكلات والتأثير في الآخرين من أجل تحقيق أهداف المؤسسة التي يعمل بها، حيث إن مناسبة الشخص لوظيفة معينة من المفترض أن تنطبق على كل مستويات العمل وعلى مختلف أنواع الأشخاص، من أعلى المناصب لغاية أقلها، حيث إن الكثير من معوقات الإنتاج تظهر بسبب عدم ملاءمة الأشخاص للوظائف التي يعملون بها وذلك لعدة أسباب، إما لعدم اقتناعهم بالوظيفة نفسها وقبولهم بها لمجرد رغبتهم في التوظيف والحصول على العائد المادي من ورائها، أو لتوظيفهم بشكل غير قانوني في تلك الوظيفة من خلال المحسوبية أو ما نطلق عليها (الواسطة) أو لتأهلهم للتوظيف (حسب الدور) كما هو في بعض الأنظمة المعمول بها من قبل الجهات القائمة على عمليات التوظيف سواء في القطاع العام أو الخاص، وبالتالي يجدون أنفسهم في وظيفة فقط يحملون مسماها الوظيفي ولكن لا يستطيعون أداء مهامها أو لا يمتلكون القدرات سواء الجسدية أو المعرفية أو المهارية لأدائها.

لقد اهتم علم إدارة الموارد البشرية بالأسس الصحيحة والواثقة لتقدم الأعمال وتطوير الإنتاج، لأنه علم متطور، ولكونه علما حيويا وفعالا، فهو قد عمل على تنشيط الحركة والأفعال داخل المؤسسات بهدف الحصول على أقصى استثمار للمهارات التي يتمتع بها العاملون، وهذا كله يصب في بوتقة خدمة أهداف المؤسسة التي تسعى لتحقيقها بتضافر مختلف الأسباب ومنها حسن التدبير والتعامل مع العاملين ومهاراتهم وإدارة الأعمال بشكل فعال ومناسب لتطوير كفاءة الإنتاج، فإدارة الموارد البشرية ليست عملية جامدة بل إنها عملية إنسانية واجتماعية بحتة، تحتاج ممن يعمل فيها أن يكون له القدرة على تنسيق جهود وعطاء العاملين واستخدام كل الإمكانات المادية والفنية المتاحة لتحقيق أهداف المؤسسة التي خططت لتحقيقها، ولهذا فقد كان من الاستراتيجيات التي تعمل عليها إدارة الموارد البشرية هي استراتيجية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فقد بينت التجارب الكثيرة في المؤسسات أن سوء الإنتاج والتواكل في أداء المهام وغيرها من المشاكل التي تحدث في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وضعف القرار المتخذ وعدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم، وهذا الأمر لا يعود إلى وجود مشكلة أو خلل في الوظيفة أو العمل فحسب، بل لأن هناك خللا في عدم قدرة من يديرها ويتحمل مسؤوليتها، وهذا يؤكد أن تطبيق قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب يجب ألا يشمل فقط المناصب العليا القيادية في المنظمات بل إنها تتوافق مع كل مستويات الوظائف الموجودة، فإن تنظيم هيكل الوظائف يعتمد على وجود مواصفات فنية أو مهارية أو علمية لكل مستوى من هذه الوظائف تعتمد بالأساس على نوع المورد البشري المؤهل لشغل المسؤولية في كل واحدة من هذه الوظائف، فالوظائف التي تعتمد على القوة العضلية دون الحاجة للقدرة الذهنية العالية تضع شروط قبول العاملين فيها اعتمادا على هذا المبدأ دون الحاجة إلى اختيار عاملين حاصلين على شهادات أكاديمية أو علمية عليا، والوظائف التي تعتمد على القدرة الذهنية والجانب الفكري والعقلي توضع الشروط فيها لقبول العاملين الذين حصلوا على شهادات علمية أو أكاديمية ويفضل كذلك من لديه خبرة في العمل لمدة معينة في مؤسسات أخرى سابقة.

إن هذه الوظائف تحتاج فعلا إلى من يناسبها وله المقدرة العالية على التصرف الصحيح أثناء القيام بمهامها وذلك لأن معظم القرارات المهمة والتي تمس واقعا عريضا من أهداف المؤسسة يتم اتخاذها من قبل أصحاب هذه الوظائف، فكلما كبر حجم ومستوى المسؤولية والوظيفة كلما زادت متطلبات الدقة والمسؤولية في اختيار الشخص المناسب لها ويزداد معه متطلب حصوله على الامتيازات الخاصة بها، وغالباً ما تلمس الإدارات وجود خلل في أداء بعض الوظائف بسبب عدم ملاءمة العاملين بها أو لقلة مهاراتهم فيها، ومن المفترض أن تقع مهمة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب على عاتق الإدارة العليا وأن يتم من خلالها مراعاة الكثير من الجوانب التي ستحقق ذلك وعدم القبول بأي شخص لمجرد أنه يحقق هدفا آخر غير هدف الأداء الفعال والمناسب للوظيفة التي يشغلها.

تعليق عبر الفيس بوك