دفقات فكر للوطن


علي المعشني


الرضا عن الوطن

في العام 1997م انهارت النمور الآسيوية بفعل الأزمة المالية الكُبرى، بتأثير من عَبَث الملياردير الصهيوني جورج سوروس، وجميعنا رأى على شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام المختلفة، تدفُّق آلاف المواطنين الكوريين الجنوبيين في طوابير طويلة على المصرف المركزي الكوري للتبرع بمقتنياتهم من الذهب لتعزيز أرصدة المصرف وبلادهم من مخزون الذهب، وجبر ضرر النظام المالي والمصرفي جراء ذلك الانهيار الكيدي العظيم. ولا يمكن لعاقل أن يفصل هذا التصرف الوطني العفوي والطوعي من قبل المواطنين الكوريين عن سياق المواطنة العميقة والشعور الوطني المسؤول، وحجم الرضا عن الوطن؛ فبلاشك المواطن الكوري استشعر مدى حاجة الوطن له في الشدة كي يعود معطاءً وكريمًا كعادته في الرخاء، وبلاشك أنه لولا شعور المواطن وملامسته لجدوى سياسات حكوماته المتعاقبة في تحقيق الرفاة له، واتباع السياسات التي تلامس حاجة المواطن وتناسب جرعة وعيه وتضمن تفاعله التام في تنفيذها وإنجاحها لما كانت هذه المواطنة النموذجية.


كذبة الديمقراطية والتنمية

يشتدُّ سعير الترويج للديمقراطية الغربية من قبل الغرب ووكلائه في البيئات العربية والمجتمعات الفتية الناشئة؛ بزعم وذريعة التنمية والتطور واللحاق بركب التقدم، وهو حقٌّ يراد به باطل، وإصلاح ظاهر يراد منه الإفساد، عبر حرف مسار هذه الشعوب عن أولوياتها التنموية وحاجاتها الحقيقية، والإثقال عليها بمنظومات فكرية وثقافية مستوردة كسدت في منشأها الأصلي وأصبحت عبئا عليه، وتجاوزتها الحاجة والزمن معًا، بينما أصبحت الصين عملاقًا اقتصاديًا ونموذجًا تنمويًّا دون ديمقراطية، وفي ظل حكم الحزب الواحد، ونهضت كوريا الجنوبية في ظل حكم العسكر طيلة 35 عامًا بعد حربها الشهيرة، تحولت البلاد بعد ذلك إلى الحكم المدني والتجربة الديمقراطية الحالية. وهذا يدل على أكذوبة الغرب بتلازم الديمقراطية والتنمية؛ فالغرب لم يتطور عبر الديمقراطية المزعومة، بل عبر الإمبريالية التي سطت على مقدرات الشعوب ومنحته تراكم القوة عبر عقود الإحتلالات وحقب الاستعمار.


أهمية الشعار التنموي وضرورته

كلُّ تجربة تنموية ناجحة في العالم لم تخلُ من ركيزة وحاضن تنطلق منه وتبني عليه؛ فاليابان رفعت شعار المعلم، وألمانيا رفعت شعار التنمية البشرية، وماليزيا رفعت شعار المدير الناجح، والصين رفعت شعار السير على قدمين، وهو الإغراق من الإنتاج الزراعي (كقدم) لخلق مواد خام للتصنيع الغذائي (القدم الأخرى)، وستالين رفع شعار الصناعات الثقيلة لتلد صناعات متوسطة وخفيفة كحاضن ومادة خام وقيمة مضافة للإقتصاد السوفيتي.

ومن هنا، يُمكننا القول بأننا في السلطنة ما لم نضع شعارًا ننطلق تحت سقفه ليكون عصبًا حقيقيًّا للتنمية في بلادنا، فسنبقى كما يقول الشاعر:

((كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ...

والماء فوق ظهورها محمول)).

فطالما لم نحدد من نحن وماذا نريد؟ فسنضع أنفسنا وبلادنا في مواجهة المجهول.


الشأن الشخصي والشأن الحكومي

لا يُعقل أننا -وبعد 45 عامًا من مسيرة النهضة المباركة- ما زلنا نخلط ما بين الشأن الشخصي ومسؤوليات الحكومة والدولة!! فكيف لعاقل أن يستوعب عدم وجود قانون إلزامية التعليم في مجتمع لا يتعدى سكانه بضعة ملايين، وفي مرحلة نمو تحتاج إلى كل عنصر بشري في موقعه وبحصيلته من التعليم العام أو الفني أو الحرفي؟! وكيف لنا أن نُعد التعليم من عدمه شأن شخصي، كما نُعد الطلاق والعنوسة والعزوبية والتسرب المدرسي، والتي أصبحت جميعها في عداد الجرائم القانونية والتي توقع مرتكبها تحت طائلة القانون، أو الجرائم الاجتماعية المُخلة بنسيج المجتمع وسلمه، والمعيقة لسير وتيرة التنمية فيه في كافة البلاد الحيوية؟!


استشراف المستقبل

المستقبل بطبيعة الحال مُقلق للفرد والجماعة والدولة معًا؛ لهذا بادرتْ العقول إلى استحضاره وصناعته والسيطرة عليه والتحكم به، عبر الربط ما بين مراحل الماضي والحاضر وتحديد ماهية وهوية المستقبل المراد على مختلف الصُّعد. ومن هنا، نشأ علم استشراف المستقبل ليزيح القلق منه ويطيح به، أو ليقلل من آثاره السالبة إلى حدها الأدنى، وبما يسهل معالجته والتعامل معه بإبجابية ونجاح.

ومن هنا، فإنَّ الحاجة تدعونا إلى ضرورة اختيار العلوم النوعية والتي تفتقر إليها جامعاتنا اليوم، كعلوم استشراف المستقبل والإستراتيجيات وإدارة الأزمات. بعد أن أغرقنا السوق والمجتمع بمخرجات مُستنسخة ومكررة من التخصصات تسببت اليوم في طوابير بطالة وتكدس.

----------------------

قبل اللقاء: "كم هو جميل أن نموت من أجل وطن، وكم هو أجمل أن نعيش لأجله... وبالشكر تدوم النعم".

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك