"حكايات الغرابة" تتحدث بلغة المال

حسين الغافري

جاءتْ النتائج النهائية لأفضل لاعب ببطولة دوري أبطال أوروبا غريبة من حيث الخيارات الثلاثة "ميسي وسواريز ورونالدو"، والتي أحْرَز لقب البطولة وقتها، وكما شاهدنا الفريق الإسباني برشلونة للمرة الخامسة في تاريخه على حساب الفريق الإيطالي يوفنتوس بثلاثة أهداف، مقابل هدف في مباراة اتفق أغلب النقاد والمحللين على أحقية الفريق الكتلوني بالتتويج، وهو ما حدث بفوزهم. ويمكن القول بأنَّ الحديث عن النتائج والألقاب الموسمية لفريق ما عادة ما يضع أحد النجوم تحت الضوء بشكل كبير نظير جهد أحدثه، أو تميز قاد به فريقه لأن يكون الإضافة الأكبر في المجموعة خلال مسيرة اللقب؛ وبالتالي من الطبيعي أن يتم إدراج اسمه في جلِّ الألقاب الفردية، ويكون التتويج الرسمي مسألة وقت منتظرة.

لكنَّ الغريب في بعض الجوائز أنها لا تزال تُحّدِث التساؤلات رغماً من أنه مضى عليها زمن وأصبحت في طي الماضي، كذلك تبدو جهود لاعبين كبار في زمن معين زاحمهم تألق نجم آخر علا عنه في التميز مما مضى عليه الوقت يصارع الصفوف الثانوية بشكل أو بآخر دون أن يحقق جائزة فردية تنصف جهوده. وإجمالاً؛ فاللقب الفردي لا يعني بالضرورة الجودة الكاملة، ومن لم يظفر به يصنف بأنه غير مستحق! إطلاقاً ليس كذلك فأين الكرة الذهبية -على سبيل المثال- عن الهولندي شنايدر أو الإسباني إنيستا في بطولة كأس العالم بجنوب إفريقيا عندما وصلت المباراة الختامية بين هولندا وإسبانيا! ويمكن قياسها من جانبين حتى نعلل أحقيتهم. شنايدر حقق الثلاثية الكبرى مع ناديه إنتر ميلان (الدوري الإيطالي والكأس المحلية ودوري أبطال أوروبا) أضف إلى ذلك كونه وصل إلى نهائي كأس العالم وكان نجم النادي الأول والمنتخب. إنيستا كان عنصرا رئيسيًّا في نجاحات برشلونة وحقق السداسية وصانع الألعاب الأفضل في عام 2009م وحقق كأس العالم ضد هولندا وكان ذا فضل كبير بلقب الماتادور العالمي الأول.. ومن ثم بكل سهولة اتجهت الكرة الذهبية للأرجنتيني ميسي، ولا تزال محل جدال واسع إلى اليوم!

تحدَّثتُ عن الغرابة في الخيارات الثلاثة هذا العام ضمن أفضل لاعب ببطولة دوري الأبطال الأوروبي، والتي لا نحتاج فيها للانتظار عن موعدها الرسمي؛ كوننا متأكدين أنها يجب أن تكون لميسي دون نقاش؛ فهو عامل رئيسي واضح في اللقب بكل مقاييسه، وحاضر في المناسبات الكبيرة، وكل الإحصائيات تضعه في الأفق. الغرابة التي أعنيها هو وجود البرتغالي رونالدو وغياب لاعبي يوفنتوس عنها .. بوفون مثلاً أو فيدال أو بوجبا كانوا الأحق بدلاً عنه.. لا يجب أن نربط إحرازه لعشرة أهداف بتواجده ضمن أفضل لاعبي البطولة.. أهدافه يستحق عليها الحذاء الذهبي مع ميسي ونيمار، الكرة الذهبية شيء آخر، فهو لم يقدم شيئًا هذا الموسم بهذه البطولة، وعندما فعل ذلك العام الماضي تحدثنا عن أن الجوائز كانت مستحقة. أيضاً قبل شهرين من الآن كانت بطولة كوبا أمريكا شاهدة على غرابة أخرى.. ميسي بكل مباراة يحصد لقب رجل المباراة!! غريب فعلاَ، والأغرب أنه كُرّم بأفضل لاعب في البطولة وهو ما يفسر على أن الجائزة كانت محجوزة أصلاً لميسي حتى ولو كان ببيته! حتى إنَّ ميسي أنصف نفسه ورفض الجائزة في أكثر من مناسبة اعترافاً منه بأنه لم يفعل شيئًا يستحق عليه التكريم!

ما يُعلل كل هذه الغرابة الحاصلة هي "لغة المال" التي أصبحت محرِّك كرة القدم بشكل رئيسي، وأصبحت الجوائز تحت أيدي رعاة وشركات تدفع الملايين لأن يرتبط اسمها باسم النجم الأكبر ذي الصيت الأبرز. أصبحت الأفضلية مرتبطة بالتسويق و"البيزنس"، أصبحت الرياضة تجارة مضمونة الربح.. اليوم يمكن أن نستغرب من هذا الشيء، ولكن غداً سنعتاد عليه، سنعيش أبطالًا يحققون جوائز كرة القدم وهم يلعبون "كرة السلة"، فالقوة أصبحت لـ"لغة المال". وقد قالها الإيطالي "توتي" ذات يوم مُختصراً كل حكايات الغرابة التي تشاهدونها اليوم وحتى الأمس وبكل تأكيد في المستقبل: "الفيفا تبحث عن البقرة التي تدُرّ الأموال بشكل أكثر وأكبر، وليس عن النجوم".

HussainGhafri@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك