لست لاعب النرد

جمال القيسي

أول مرة صرختُ فيها كانت مع بزوغ فجر التاسع عشر من أغسطس/ آب من العام 1970 من القرن المنصرم الماضي (الفارط المنفرط). منذ ذلك اليوم، يا زملائي في العيش على هذا الكرة الأرضية السماوية! صرت بشرًا سويا؛ نَسَمة أضيفت إلى نفوس سكان كوكب الأرض من مجرة درب التبانة أو الطريق اللبني (Milky way) التي تضم 200- 400 نجم من ضمنها الشمس! مولود مخضرم أنا عشت أحداث قرنين مختلفين عن كل القرون. انفجارات سكانية، وحروب عالمية، وثورات تكنولوجية، ونهضات، وانتكاسات، ونكبات، ونظريات مؤامرة، وخلافات وخلافة وخليفة. تسونامي معرفة!

لم ألعب النرد ولم أحب اللعبة. وفي الحياة ربحت حينا، وخسرت أحايين كثيرة. لم تلدني أمي "إلى جانب البئر والشجرات الثلاث كالراهبات" ولم أولد بزفة رسمية، ولكني سميت باسمي (ربما) مصادفة، حيث هناك تشكيك من والدي، رحمه الله، أن اسمي لم يكن مصادفة.

اقترحت القابلة اسمي كي يتناغم مع اسم شقيقتي التي ولدت قبلي بعامين. نوال.

قالت القابلة: سَمّوه (جمال). كي يصير لديكم جمال ونوال! وعلى هذا المنوال كان من الممكن أن يكون اسميّ شقيقتيّ اللتين ولدتا بعدي أن دلال ومنال لا (رحاب) و(شفاء)! ولكن التقدم الحضاري الهائل في ظروف العائلة أدى إلى ولادة الشقيقتين في مستشفى، فلم يقترح أحد على الوالدين أية أسماء متناغمة!

وافقت أمي وأبي على أن يكون اسمي جمال. أظن أن والدي ما كان يعنيه الاسم كثيرا، بمقدار أن يرزق بغلام بعد ست بنات. يا بشراي هذا غلام ثالث بعد طول انتظار وشرق.

لكن أبي كان يرفض رواية أمي بأن اسمي جاء محض اقتراح من القابلة؛ يقول: صحيح اقترحته القابلة. أجل. لكني أردته تيمنا باسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وما كان يمثله في نفوس الشعوب العربية المتعطشة لموقف قومي، (من زمان إذن العرب متشوقون لموقف قومي). ثم قدم لي، والدي، الذي لا قدر الله أن أشك بصدقه لحظة، الدليل على هذا بأنه سمى شقيقي قبل عشرة أعوام من ولادتي "ناصر" وبالتيمن والتعطش نفسه. في هذا السياق يتهم أبي، العسكري المتقاعد، أمي بأنها لا تفهم في السياسة، ولم تكن تدرك مدى خطورة أن يكون لدى عسكري أردني أية ميول للمد الناصري الذي كان يهدد الأنظمة العربية بتصدير ثورة الضباط الأحرار!

لم تكن أمي، أطال الله في عمرها، وما تزال، ذات باع ولا ذراع في دهاليز السياسة لكنها أصيبت بالجلطة الدماغية الأولى الموجعة يوم سقوط بغداد 2003!

وورثت عن أمي رقة الشعور والكآبات ، وعن أبي الاعتزاز بالنفس والسخرية، وورثت عن كليهما تقديس العلم والتعليم. ولم يكونا متعلمين!

وكون اسمي، بحسب رواية أمي، جاء باقتراح قوي شبه ملزم من القابلة؛ فإني لا أرى نفسي كثيرا في كلمات أغنية "أسامينا" للسيدة العظيمة فيروز ، والمقطع الذي يقول: "أسامينا شو تعبوا أهالينا. ت لاقوها شو افتكروا فينا" لكني أحب اللحن، وبالطبع أعشق الصوت، ولكني أجد نفسي هائمة في نهاية المقطع: "الأسامي كلام شو خص الكلام. عينينا هني أسامينا".

أخبرت أمي عن شعوري بالنقص بأنهم لم يتعبوا بالتفكير باسمي؛ فاعترضت مبدية أنهم كانوا يرغبون بتسميتي "عاطف" لكن جارتنا أم عاهد سبقتهم إلى الاسم بأسبوع!

وتابعت أمي أنها رغبت بعد أن انتزعت أم عاهد الاسم أن تسميني "عطّاف"، ولكن شقيقاتي (الكثيرات) لم يعجبهن الاسم. وفي مرحلة الصبا كنت ألوم شقيقاتي على حرماني من اسم عطّاف! وأعتابهن بجد؛ كيف حرمنني من اسم يمثل صفة جليلة لدى الفارس كثير العطف والعودة لمواجهة الأعداء: "وقد كنت عطّافا إذا الخيل أدبرت"!

على نحو مختلف من التفكير، تساءلت حين كبرت قليلا: لماذا لم يشكك أحد بنوايا القابلة ومخططاتها التآمرية المتعلقة باقتراح أن يكون اسمي ليكون موافقا لاسم نجلها الأكبر. لماذا لم يسألوا القابلة "أم جمال" ما إذا كان لديها ابنة اسمها نوال؟!

الطريف في الأمر أنه في كل يوم يصادف يوم مولدي أجدني مشغولا باستذكار الظروف المحيطة بتشكل اسمي أكثر من ولادتي نفسها!

ما علينا!

رغم الاسم والتسمية والمسمّي والمسمى ها أنا اليوم رقم. رقم واحد من ضمن 7 مليار رقم.

ماذا يعني هذا؟

ألم نقل إن الطريق اللبني (Milky way) تضم 200- 400 نجم من ضمنها الشمس!

ونزيد أن علماء الفلك يقدرون أن درب التبانه تكونت قبل مدة زمنية تقدر بـ12- 14 مليار سنة!

كل عام وأنتم بخير.

إلى اللقاء.

تعليق عبر الفيس بوك